يقصد المسنّون مكتب التسجيل في الجامعة الأميركية متعكّزين على أيامهم. في الداخل، يتجرعون أملاً يقتل الوحدة والقلق من عقارب الساعة. يخرق فرح هؤلاء جدار الزمن. يتبارزون على حب الحياة وهم يتوجهون للانتساب إلى «جامعة الكبار»، برنامج يروّج لرؤية إيجابية لشيخوخة صحية عبر أنشطة صفية ولاصفية.
قاد حلم التعلم في الجامعة الأميركية مها هاشم، من طرابلس، بتشجيع من ابنتها التي تتعلم هنا. لا تشعر المرأة الخمسينية بالوحدة، لكن «شدة تعلقي بالعلم دفعني إلى المجيء». تخشى هاشم أن تتحول حياتها مستوعباً للذكريات «وإذا تقاعدنا من أشغالنا لا يعني أننا تقاعدنا من الحياة التي تتجدد مع التعلم المستمر».
يلفتك شغف سيدة ثمانينية حضرت لتتعلم لغة أحفادها الموجودين في المهجر، كما قالت. هي تريد أن تتواصل معهم عبر«التشات»، «التويتر»، «الفايسبوك»، «السكايب». سيدة أخرى يتجاوز عمرها السادسة والثمانين ترغب في تطوير مهاراتها الكتابية، لذا اختارت مادة كتابة المقال. تأخذ مرام قبيسي بنصيحة صديقتها التي شجعتها على الانتساب إلى البرنامج. تجيد السيدة السبعينية الفرنسية بطلاقة وتريد أن تعزز الإنكليزية.
أما نزار دندو، أستاذ متقاعد، فجدد انتسابه للفصل الثاني، بعدما استمتع ببعض مواد البرنامج، ولا سيما حياكة السجاد، والأوبرا والمحاضرات العامة.
الاهتمام بكبار السن كان نواة فكرة أطلقتها د. عبلة محيو السباعي من كلية الصحة العامة في الجامعة لتتطور بعد 15 عاماً وتصبح «جامعة الكبار». ترى السباعي أنّ معظم البرامج التي استهدفت المسنين كانت تتعاطى معهم كفئة غير قادرة على الإنتاج. هذه رؤية سلبية، تقول. والدليل، برأيها، أنّ هذه الفئة تحتفظ بمخزون ثقافي احترافي كبير. في موازاة ذلك، أعدّت مديرة برنامج حسن الجوار في الجامعة د. سنتيا متني دراسة لمحيط الجامعة، أظهرت أنّ معظم كبار السن يعانون الوحدة بعد تفاقم ظاهرة الهجرة. تشير السباعي إلى أنّ المحطة التجريبية لبرنامج جامعة الكبار بدأت في عام 2010. وتشرح كيف أنّ البرنامج يقارب مفهوم التعليم الدائم، ويجمع أشخاصاً لديهم أهداف وقصص متشابهة للحفاظ على صحتهم النفسية. كذلك فهو يسعى إلى تمكين البيئة الاجتماعية والتواصل بين الأجيال. المحاضرون متطوعون، فيما يتشارك أعضاء «جامعة الكبار» في الأنشطة والنفقات. ويتواصلون مع طلاب الجامعة عبر أنشطة أكاديمية وغير أكاديمية، «كي لا يشعروا بالتهميش أو بأنهم غادروا إلى زمن آخر»، على حد تعبير السباعي. هكذا بات باستطاعة من تتراوح أعمارهم بين 50 عاماً و85 عاماً أن يلتحقوا بالجامعة لمدة 8 أسابيع بقيمة 150 دولاراً لكل فصل (الربيع والخريف)، حيث يقدم لهم مركز التعليم المستمر في الجامعة محاضرات متنوعة باللغتين الانكليزية والعربية ورحلات تعليمية ومشاريع خاصة مع طلاب الجامعة. في هذا الصدد، تنفي منسقة البرنامج مايا أبي شاهين أن تكون هناك شروط للتسجيل في البرنامج. ليس بالضرورة أن يكون المسنّ حائزاً شهادة جامعية أو ملمّاً باللغة الإنكليزية، وهو يستطيع اختيار ما يناسبه والمشاركة في كل الصفوف. بلغ عدد المنتسبين منذ انطلاقة المشروع حتى اليوم 360 طالباً.
ويعتمد البرنامج، بحسب شاهين، على اقتراحات المنتسبين لجهة اختيار المواد والأساتذة. يتضمن هذا الفصل المواد الآتية: سوسيولوجيا الديانات، الفن الإسلامي، كتابة مقال شخصي، محو الأمية في الكومبيوتر، الميزانية والنفقات الشخصية، وسائل الإعلام الاجتماعي للمبتدئين، التصوير الرقمي، دور الجامعة الأميركية خلال القرن العشرين في الاتجاهات الفكرية والسياسية، «حبر وتبر» منتدى الرواية العربية، محمد عبد الوهاب مجدداً استثنائياً في الموسيقى والغناء العربيين، تفاني الإصغاء في بيان الاستماع، رحلة صوتية وتاريخية في دهاليز المقام العراقي، زكي ناصيف (1916 - 2004): سيرة موسيقية، الموارد المالية، الصحة السليمة والشيخوخة الصحية (كيف تتفادى الحوادث المنزلية، تمارين للحفاظ على الذاكرة)، قراءات مسائية، المايكروفون المفتوح (لقراءة كتابات خاصة بالمنتسبين)، أمسيات مع طلاب الجامعة الأميركية، أمسية مع الشاعرة والكاتبة نازك يارد.