في 21 نيسان 2011، أصدر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، 3 تعاميم تتضمن 3 قرارات وسيطة عن الإدارة الرشيدة، ومجالس الإدارة في المصارف، وعمليات التدقيق والضبط داخل المصارف. كان يفترض أن تكون هذه خطوة عملية لتطبيق ما يُعرف بالمبادئ الثمانية للجنة بازل الدولية الهادفة إلى تعزيز الرقابة واستقلاليتها، بما يوفّر زيادة شفافية العمليات المصرفية وابتعادها عن الأعمال غير المشروعة. لكن ما تبيّن فعلياً هو أن الخطوة صُمّمت لتُبرز «اهتمام» مصرف لبنان بسلامة العمليات المصرفية ونظافتها وشفافيتها، وإظهاره «متشدداً»، بصرف النظر عن مدى جديّته في إبعاد شبح «التفلّت» عن المصارف. فما خفي من قصّة هذه التعاميم يكشف عن المستور؛ مصرف لبنان يتحكّم تماماً في لجنة الرقابة على المصارف، وإلا كيف نجح في طمس مشروع تعميم نوقش طويلاً في اللجنة؟تعود قصة هذه التعاميم إلى نحو 3 سنوات. ففي منتصف عام 2008، بدأت لجنة الرقابة على المصارف بالإعداد لإصدار تعميم تطبيقي للقواعد الرقابية الصادرة عن لجنة بازل، والتي تتمحور حول 8 مبادئ: تحديد هوية أعضاء مجلس إدارة المصرف وحقوقهم، كيفية تقويم الإدارة المهنية، توزّع المسؤوليات في المصرف وطرق المساءلة، الإشراف المحكم للإدارة العليا التنفيذية، الاستخدام الفعال لنتائج أعمال الرقابة، تحديد المخصصات والتعويضات، الشفافية، والبنية التشغيلية.
لهذه الغاية أُلّفت لجنة من أعضاء لجنة الرقابة، وناقشت مع جمعية المصارف مشروع التعميم، بعد وضع دراسة عن النماذج العالمية المعتمدة لتطبيق هذه المبادئ، فاعتُمد النموذج البلجيكي. استغرق الأمر 11 شهراً لإعداد تفاصيل المشروع، قبل أن ترفضه جمعية مصارف لبنان رفضاً شبه مطلق. حينها، يقول المطّلعون إن الحاكم رياض سلامة طلب من نائبه محمد بعاصيري إنشاء لجنة مشتركة (مصرف لبنان، لجنة الرقابة على المصارف، المصارف) لمناقشة مشروع التعميم. عُقد أكثر من اجتماع برئاسة البعاصيري، غير أنها تميّزت، بحسب المتابعين، بانحياز مصرف لبنان إلى المصارف... إلى أن انتهت مدّة ولاية لجنة الرقابة، وعُيّن أعضاء جدد اشتهرت لجنتهم باسم لجنة المصارف، لكون رئيسها وأعضائها موظفين لدى المصارف. بعد ذلك، جاءت قصّة البنك اللبناني الكندي كاشفة عن وجود «دكاكين» في القطاع المصرفي اللبناني مغطاة من السلطات، ما اضطر سلامة، تحت الضغط الأميركي وإلغاء التعامل مع هذا البنك، إلى أن يجري عملية قيصرية ويدمج المصرف بـ«بنك سوسييتيه جنرال»، بعملية لم تنجز حتى اليوم. لم تمر سوى أسابيع بعد هذه الحادثة، حتى أصدر مصرف لبنان في 21 نيسان 2011 ثلاثة تعاميم، متجاهلاً المشروع المنجز لدى لجنة الرقابة منذ نيسان 2009.
تثير هذه المسألة أكثر من سؤال جوهري. فما هو مبرر إصدار تعميمين عن الإدارة الرشيدة ولجنة التدقيق، فيما المشروع جاهز بتفاصيل موسعة لدى لجنة الرقابة؟ ولماذا تقاعست اللجنة التي تملك الاستقلالية لإصدار التعميم؟ ألم يكن الأجدى بها الحفاظ على صلاحياتها؟ ألم يصدر مصرف لبنان تعميماً عن الإدارة الرشيدة في عام 2006، على أثر صدور وثيقة بازل بشأن الإدارة الرشيدة في شباط 2006، حدد فيه التوجهات العامة للتقيد بمبادئ بازل؟ لماذا لا يراد للجنة الرقابة أن تصدر، ضمن مهماتها وصلاحياتها، تعميماً يوضح تفاصيل التطبيق ودقائقه؟
ما جرى فعلياً هو أن التعاميم الثلاثة أجرت تعديلات على قرارات سابقة تتصل بمواضيعها، إلا أنها أضافت على عمومية تعاميم مصرف لبنان عمومية زائدة. فعلى سبيل المثال، حدّدت التعديلات «التزام المصارف بالمبادئ الصادرة والتي ستصدر عن لجنة بازل الدولية...»، وفرضت عليها إعداد «دليل الإدارة المصرفية الرشيدة». غير أن مشروع التعميم في اللجنة تحدّث عن «مدوّنة الإدارة الرشيدة» ووضع نموذجاً تفصيلياً عنها، ثم حدّد مفهوم تضارب المصالح ووظيفة الامتثال في سياسات المصرف...
أما التعميم الثاني الذي أصدره مصرف لبنان، فهو جاء لينسف القرار الأساسي الرقم 9956 «لجنة التدقيق»، وعدّل اسمها لتصبح «مجالس إدارة المصارف اللبنانية واللجان المنبثقة عنها»، وحدّد في مادته الثالثة هوية أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين، وفرض تعيين لجان مستقلة في مجالس إدارات المصارف، وحدّد الحدّ الأدنى لاجتماعات مجلس الإدارة، وكيفية إنشاء لجنة تدقيق من بين أعضاء المجلس ومهماتها، ولجنة المخاطر واستقلاليتها... لكن مشروع التعميم لدى لجنة الرقابة تحدث بالتفصيل عن أعضاء المجلس واللجان المستقلة ومهماتها وجدارتهم وحقوق التصويت والأقليات، إضافة إلى معايير استقلالية الرقابة وتحسينها...
أيضاً نسف القرار الوسيط الرقم 10707 مضمون القرار الأساسي 7737، وأضاف مواد تحدّد مهمات الضبط الداخلي التي أنيطت بالإدارة العليا التنفيذية، والتدقيق الداخلي الذي أنيط بوحدة خاصة.
إذاً، يستنتج متابعون لهذه القرارات الوسيطة، أن المصارف تمكّنت بفضل لجنة بعاصيري من أن تتحاشى وجود تطبيق منظّم ومفصّل للمبادئ الثمانية، أي إن «الشفافية» المتوخاة لن تتوافر بحدود كبيرة، لأن ما كان يجري أصبح أكثر تنظيماً فقط. فالمصارف اللبنانية في غالبيتها هي عبارة عن مؤسسات عائلية فيها مساهمون محليّون وأجانب. وليس هناك أي شكّ في أن هذه العائلات تسيطر مباشرة على أعمال المصرف وعملياته كافة، حتى إنهم لا يحتاجون إلى أوامر خطية لينفّذها موظفوهم، وهو جزء أساسي مما كان يورّط المؤسسة في أعمال «غير محبّذة»، سواء لمصلحة أشخاص آخرين أو لمصلحتهم الشخصية مباشرة... وبما أن هذه الأعمال لم تكن محصورة في لبنان وكانت تنطوي على أعمال «غير شرعية»، جاءت لجنة بازل الدولية لتكافحها بمبادئ عامة، ثم جاءت لجنة الرقابة لتضع الأطر التطبيقية لها، فتعثرت برفض المصارف. لم يكن مقبولاً لهذه الأخيرة أن تخضع أعمالها لرقابة شخص ثالث «مستقلّ»، ومفروض عليه قانوناً أن يكتب التقارير لمجلس الإدارة، وأن يبلغ السلطة المختصة إذا استشرف مخالفة ما، وأن «يقمع» رئيس مجلس الإدارة ـــــ المدير العام إذا استخدم المصرف لمنافعه الشخصية... هذه كلها حالات كانت ولا تزال تحصل في القطاع المصرفي اللبناني.



20.2 في المئة

معدل مرتفع للعائد على حقوق المساهمين في مصارف لبنان، فبحسب دراسة لصندوق النقد فهو 9% في الأردن، 4% في الإمارات، 12.7% في عمان

1832 مليون دولار

قيمة الأكلاف التشغيلية للمصارف العاملة في لبنان عام 2010. وتعدّ مؤشراً على نوع العمليات في القطاع، مقارنة مع أرباحها بـ 1642 مليون دولار



المصارف العائليّة

يقول مشروع التعميم الذي أنجزته لجنة الرقابة على المصارف في 2009: تعزيزاً للإدارة السليمة، من المستحسن أن تضع المصارف ذات الطابع العائلي من حيث الملكية والإدارة، شُرعة تحدّد فيها القواعد التي ترعى العلاقة بين العائلة والشركاء المساهمين من جهة، وبين المصرف من جهة أخرى وبخاصة في ما يتعلق بإدارة المؤسسة وأهدافها المالية ومخصصات الإداريين...