1) في ظل الواقع المضطرب محلياً وإقليمياً، ما هو وضع القطاع التجاري حالياً؟
منذ عام 2010 يشهد القطاع التجاري تراجعاً متسارعاً، وهذا الموضوع بسبب عدم مجيء الرعايا العرب الى لبنان بالأعداد المطلوية وبسبب شح الاستهلاك الداخلي، وقد استمر هذا الوضع حتى الفصل الأول من العام الجاري حيث يمكن توصيف التجارة المحلية بأنها ضعيفة جداً، وقد وصلت التأثيرات السلبية الى نسب مرتفعة، بدأنا نلحظ آثارها في جميع المناطق اللبنانية.

أما القطاعات الأكثر تأثراً فهي تلك التي تتصف بطابع «موسمي» مثل تجارة الثياب والحذية وغيرها، فيما المشكلة يمكن تبيانها من الطابع العام للأسواق التقليدية التجارية بحيث تراجعت الحركة فيها أكثر من 50 في المئة، وهذا الواقع السيئ انعكس استياءً لدى التجار بحيث إن عدداً كبيراً منهم بات غير قادر على دفع مستحقات الموردين، وعلى بيع مخزونه السلعي، ولا تسييل هذه السلع لدفع الفوائد المصرفية المتراكمة... إذن المعضلة كبيرة.

2) ألم تطالبوا بصفتكم قطاعاً بإعادة جدولة ديون المصارف؟

إن المصارف مؤتمنة على ودائع زبائنها وعلى التأكد من سلامة اموال المودعين، وبالتالي لا لوم على المصارف، لكن المطلوب منها أن تتجاوب مع كل عميل مصرفي على حدة، ونحن لا نطالب حتى الآن بإعادة جدولة، اذ لا يوجد إفلاس عام بل صعوبات في القطاع، ونطالب بالقليل من المرونة لكي يخرج التجار من أزمتهم، ففي الماضي كانت المصارف تكتفي بالكفالة الشخصية، أما اليوم فهي لا تقبل بذلك بل تطالب بكفالات عينية، وبالتالي يطلبون ضمانات أكبر ما يحتمل التاجر، ونحن نقول للمصارف إننا لسنا عابري سبيل، نحن عملاء لدى المصارف منذ عشرات السنين، فنحن في القطاع نعاني انكماشاً، ولذلك على المصارف ان تكون رافعة لتسهيل أمور التجار والخروج من المشاكل.

3) ما هو تأثير الاحتجاجات المستمرة في سوريا على القطاع التجاري؟

الجميع يعلم أن سوريا هي نافذة تجارية للبنان، فقد كانت حدود المصنع تكتظ بالعابرين من لبنان وإليه، أما الآن فلا حركة عبر هذه النقطة الحدودية، وبالتالي عدد المستهلكين السوريين انخفض كثيراً، وخصوصاً في المناطق اللبنانية المحاذية للحدود، وبالتالي تجارة المفرق تعاني تراجع المستهلك، وتاجر الجملة يعاني غياب التجار السوريين وكذلك الأردنيين، علماً أنه في عام 2010 احتل السوريون المرتبة الأولى في الدخول الى لبنان تبعهم الأردنيون، وهاتان الجنسيتان انخفض مجيئهما الى لبنان بنحو كبير براً وجواً.
كذلك طاول الوضع السوري التجارة نحو الخارج، فقد شهدنا خلال الأشهر الماضية انخفاض الطلب في سوريا، والتعامل التجاري بين لبنان وسوريا تراجع كذلك الى ما دون النصف، وبالتالي انخفض الطلب في سوريا بما هي سوق نهائية للسلع اللبنانية، وكذلك بوصفها معبراً رئيسياً للبنان الى الداخل العربي.

4) ماذا عن الأزمة الداخلية وانعكاسها على القطاع؟

إن الفراغ والشلل المؤسساتي الموجود في لبنان ينعكس انعدام ثقة بلبنان من الخارج، فالفراغ يولّد أحداثاً أمنية، وبالتالي الفراغ السياسي يُفقد الثقة بلبنان. إذن ينبغي للدولة أداء دور الضابط القوي للاقتصاد لكونها لاعباً اقتصادياً رئيسياً، اذ كان يوجد في الموازنة استثمار كبير في البنى التحتية والاتصالات والكهرباء وغيرها، إلا أنّ عدم إقرار الموازنة واستمرار السير بالقاعدة الاثتني عشرية ينعكس سلباً على الاستثمارات هذه. وبالتالي فإن الإنفاق العام يحرك الاقتصاد في حالة الانكماش، وعدم عودة الدولة الى هذا الدور يساهم في استمرار الأزمة.
أما المستثمرون الأجانب فيرون أن طرح أموالهم في لبنان مجازفة وبالتالي يتأجل الاستثمار الخاص رغم أنه محرّك ثان للخروج من الانكماش، فقد ضاقت قاعدة الإنتاج وفي الوقت نفسه فإن رؤوس الأموال لا توظف في الاقتصاد الحقيقي.

5) كيف ترى الوضع الاقتصادي في لبنان؟ هل يتجه نحو الإفلاس؟

إن الاقتصاد يعاني مشكلة حقيقية، إذ إن انخفاض الدولار نسبة الى اليورو أدّى الى ارتفاع اسعار كل المواد الأولية في العالم من نفط ومواد غذائية، وارتفاع اسعار النفط ينعكس دماراً بالنسبة إلى الأسر اللبنانية بسبب انخفاض القدرة الشرائية، ويؤثر على ميزانية الدولة بسبب التحويلات الدائمة الى مؤسسة الكهرباء... هذا الواقع سيفاقم العجز المرتفع أصلاً بسبب التباطؤ الاقتصادي، والمتضرر الاكبر من تراجع القدرة الشرائية والعجز الاقتصادي هو القطاع التجاري وخصوصاً قطاع الكماليات من سيارات وإلكترونيات وغيرها.

6) هل لحظتم إفلاسات أو تعثراً لدى الشركات والمحال التجارية في الفترة الأخيرة؟

كثيرة هي مؤسساتنا التجارية التي أصبحت في وضع سيئ، وقد لحظنا إفلاسات غير معلنة في المحال الصغيرة بحيث تُعلن التصفية وإغلاق المحال. الأكيد أن المزاج العام «معكّر»، ومجرد قيام حكومة يحل جزءاً من المشكلة، فقسم من المشكلة هيكلي والآخر ظرفي، إذ إن الدولة قادرة على أن تعطي جرعة أوكسجين للاقتصاد. والشيء الاستثنائي هو تزامن الوضع المحلي والعربي وأسعار النفط العالمية، ما أدى الى الإنذار بمشكلة كبيرة.

7) ما هي مطالبكم بصفتكه قطاعاً تجارياً اليوم؟

مطالبنا عامة، فهي لا تختلف عن مطالب القطاعات الاقتصادية الأخرى، نطالب بقيام حكومة متماسكة وفاعلة تكون فريق عمل يعطي دفعة اقتصادية للوضع القائم مع رؤية مستقبلية، وبناء الاقتصاد اللبناني ليس فقط على الريع بل على القطاعات الانتاجية من تجارة وصناعة وزراعة وقطاعات ناشئة.
كذلك ندعو الى المباشرة فوراً بالتعيينات الإدارية وعلى رأسها التجديد لحاكم مصرف لبنان، إضافة الى أن تباشر الدولة بالإنفاق الاستثماري ان كان في البنى التحتية من كهرباء ومياه وغيرها، أو في الانكباب على دراسة موضوع التنقيب عن النفط والغاز في لبنان لكونه مخرجاً غير مباشر من الازمة في السنوات المقبلة، وبالتالي يجب تسريع وتيرة اصدار المراسيم التطبيقية لقانون التنقيب عن النفط. كذلك على الدولة أن تعود الى رعاية الحوار الاجتماعي في لبنان، فنحن في الهيئات الاقتصادية متهمون بأننا مع الليبرالية المتوحشة، لكن هذا غير صحيح، فنحن مع الليبرالية الانسانية والحضارية، والعمال هم شركاؤنا في الإنتاج، لذلك يجب عقلنة الخطاب الاجتماعي وعدم المبالغة في المطالب.
ولا بد من وضع حد للخطاب السياسي السائد في لبنان، إذ يجب أن يعود مارد الخطابات المذهبية والحادة الى «قمقم» المؤسسات الدستورية، ولا بد من النظر الى الواقع الاقتصادي بمسؤولية وعقلنة الحوار السياسي والسير في عملية اعادة بناء الاقتصاد على أسس سليمة.



«فلت الملق»

إن ما عملته وزيرة المال أخيراً من دعم السائقين هو تدبير متسرع، إذ إن هذا الموضوع سيزيد الأعباء على الخزينة العامة وسيعمق الأزمة، وهذا القرار غير مدروس أيضاً من ناحية الجدوى الاجتماعية، وبالتالي على الدولة أن تجد نوعاً من الانضباط في الوضع المالي، لأننا اليوم نستطيع أن نقول «فلت الملقّ»