منذ ربيع عام 2010، تعد وزارة الاتصالات بإنترنت أسرع بأضعاف السائد حالياً. تحمّس حينها فقهاء تكنولوجيا المعلومات (Geeks)، خبراء كانوا أو هواة، والمستخدمون العاديّون على حدّ سواء. غير أنّ النتيجة حتّى الآن لم تظهر. ساد لدى البعض، إن لم نقل لدى السواد الأعظم، خيبة أمل عارمة. والخلاصة الأولى من وضع كهذا تكون: خذلتنا الدولة! ولكن لا بدّ من الموضوعيّة ومن الحسّ بالمسوؤلية لدى النقد، وخصوصاً أنّ الجميع يعي تخبّط مستقبل البلاد في بنية مؤسّساتيّة غير فعالة، وغير شفافة ومسيّسة على نحو يتجاوز المنطق.
الحقيقة هي أنّ ما وعدت به وزارة الاتصالات تحقّق موضوعياً. ولكن ثمرتها تبقى محتجزة في قبو داخل هيئة «أوجيرو». مفتاح القبو طبعاً بحوزة المدير العام لهذه الهيئة، عبد المنعم يوسف، تماماً كمفتاح الطبقة الثانية في مبنى وزارة الاتصالات في العدلية.
الوعد قام علمياً، على الرقيّ بإنترنت البلاد من خلال إتمام مشروع رائد هو، الربط بكابل «IMEWE»، الذي ينطلق من الهند ويحطّ رحاله في طرابلس. وإلى هذا المشروع، هناك زيادة سعة كابل «قدموس».
فعلياً، وصل الكابل الأوّل إلى الفيحاء وتمّت جميع التحضيرات اللازمة لكي يرتفع مستوى الربط بالخارج لتزيد السعة والسرعة. وفعلياً أيضاً، رُفعت قدرة كابل «قدموس» في أيلول الماضي. ولكن حتّى الآن، لم يستفد المشتركون من الإمكانات التي يؤمّنها هذان المشروعان لأنّ الكرة الآن هي في ملعب عبد المنعم يوسف، وهو يلعبها سياسياً بامتياز.
ويواجه يوسف دعوى قضائيّة رفعها عليه وزير الاتصالات، شربل نحاس، على قاعدة أنّه يسيطر على أملاك الدولة. فافتتاح كابل «IMEWE»، الذي كان مقرراً في أواخر الصيف الماضي، خطفه عبد المنعم يوسف، من طابعه الرسمي، ولم يُعلم وزارة الاتصالات به، بل وصل به جنوح تجاوز القانون إلى توجيه دعوة الى وزارة الاتصالات لحضور حفل الافتتاح كمدعوين آخرين!
«جميع الأمور هي تحت إمرة عبد المنعم يوسف الذي يتحكم بكل شيء» يقول أحد المطّلعين على هذا الملفّ. فمدير هيئة «أوجيرو» «بكلّ بساطة يرفض تنفيذ قرارات الوزير».
المسألة مثيرة للسخط، بل حتّى للاشمئزاز. فالمستنقع التكنولوجي الذي أُغرق فيه لبنان لا يزال مليئاً الآن لأنّ مديراً عاماً يعاني نوعاً من العصاب، يرفض بكلّ بساطة تنفيذ تعليمات، ليست وزارية بل حتّى وطنيّة، ويقوم بدوره التنفيذي.
والأنكى من ذلك هو أنّ هذا المدير، الذي يسافر في اللحظات الحرجة، يتحدث قليلاً عن أفكاره ونواياه، ويترك الأمور كما هي وفقاً لأجندة سياسيّة. هذا الوضع المختلّ والجنونيّ يؤدّي إلى استمرار تدهور المؤشّرات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فبحسب المسح الدوري الذي تُجريه شركة «OOKLA»، وتُعدّ على أساسه مؤشّر «سرعة تنزيل المعلومات عن الإنترنت»، يقبع لبنان في المرتبة 167 عالمياً، أي قبل الحضيض بثلاث مراتب فقط. حيث بلغ معدّل سرعة التنزيل التي سُجّلت لدى المستهلكين فيه خلال الأيام الثلاثين الماضية 0.57 ميغابيت في الثانية (0.57 Mbit/s).
ولو قرّر عبد المنعم يوسف تخطّي عقدة معاقبة اللبنانيّين التي يعاني منها، لكان المعدّل الآن يساوي أضعاف المسجّل. بالحدّ الأدنى 10 أضعاف.
وليس خفياً تأثير هذا التأخير على المستهلكين الذين يعانون في الولوج على الشبكة وفي تنزيل المعلومات، وكذلك على صعيد المؤسّسات الكبيرة، وخصوصاً في القطاعين المصرفي والإعلامي.
تطوّر عمل تلك المؤسّسات، وطبعاً مستقبل الشركات الصغيرة والمتوسّطة والمتخرّجين الجامعيّين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، هو رهينة مدير يرفض الرضوخ للمنطق ولحتميّة التطوّر، ويستغلّ ألاعيب قانونيّة وإداريّة عوجاء وتقسيمات سياسيّة وطائفيّة ليُبقي البلاد في الحضيض. وحتّى الشركات المزوّدة بخدمة الإنترنت (ISP›s) تئنّ من هذا التأخير الذي يؤثّر على الخطط التي صاغتها أساساً مع وزارة الاتصالات لدى طرح مشاريع تطوير القطاع. لكن تلك الشركات ترفض في الوقت نفسه الدخول في نقاش «على من تقع المسؤوليّة؟»، على الرغم من أنّ دورها كشركات رائدة هو حيوي، ويجب أن تكون في مقدّمة المنادين بانتهاء هذا الواقع الشاذ.
«هناك مخطّط مفصّل وضعناه مع وزارة الاتصالات لتحديد إلى أين نحن ذاهبون»، يقول مدير شركة «GDS»، حبيب طربيه، عن الأفق الذي كانت الشركات تهيّئ له لملاقاة المشاريع التي تحدّثت عنها الوزارة قبل أكثر من عام. لكن هذا المخطّط «معرقل حالياً» مع تعمّد تجميد الاستفادة من كابل «IMEWE»، وحتّى مع التلاعب في السعات التي يؤمّنها كابل «قدموس».
وبرأي حبيب طربيه، فإنّ التمتّع بإنترنت مقبول تقنياً ومن حيث الكلفة في لبنان يتمّ بزيادة السعة وبخفض التعرفة الرسميّة. بالنسبة الى الشرط الأوّل، أضحى واضحاً أنّ عبد المنعم يوسف يمنع تحقّقه، أمّا الشرط الثاني، المرهون باجتماع حكومي، فهو من الأساس غير متحقّق، والحوار الذي جمع الوزارة قضى بخفض كلفة اشتراك الشركات بخطّ الاتصال الدولي (E1)، بانتظار اجتماع مجلس الوزراء.



8.79 Mb/s

هو معدّل سرعة التنزيل (Download) عبر إنترنت «الحزمة العريضة» عالمياً، بحسب مؤشّر «OOKLA»، ويساوي 15 ضعفاً المعدّل المسجّل في لبنان



25 في المئة

معدّل اختراق الإنترنت في لبنان بنهاية عام 2010، ومن شأن مشروعي التطوير عبر «الحزمة العريضة» و«الجيل الثالث» تحسين هذه النسبة كثيراً



لا يجوز بعد الآن

«يحتاج لبنان إلى ألف مرّة السعات الموجودة حالياً، وفي غياب تأمين هذه الحاجة تُهدر أموال على الخزينة وتفوّت فرص إيجاد الوظائف وتتّسع هوّة التكنولوجيا»، يحذّر المدير العام لشركة «IDM»، مارون شمّاس. ويعود هذا الوضع برأيه إلى «خلل بين القرار والتنفيذ في قطاع الاتصالات، وهو أمر لا يجوز بعد الآن»... ما يتفادى شماس قوله «إن الوزارة تقرّر وعبد المنعم يوسف يرفض التنفيذ»!