لم تقف الإعاقة البصرية عائقاً أمام تفوّق رياض أسوم. فالفتى «المميّز»، كما يقول عنه أساتذته، نال درجة «ممتاز» في الشهادة المتوسّطة (البريفيه) بمعدّل عام بلغ 18.14 من 20. كان رياض خائفاً من «وهرة» الامتحانات الرسمية، لكن ما حصل كان العكس إذ تمكّن من اكتشاف ثلاثة أخطاء في أسئلة مسابقات المواد العلمية المعدّلة للمكفوفين. في الرياضيات، يتضمن أحد الأسئلة أجوبة متعدّدة خاطئة. وفي الكيمياء، استبدلت كلمة «نترون» (netron) بكلمة «الكترون» (electron) في أحد الأسئلة. أما في علوم الحياة، فقد طُلب من الممتحنين المكفوفين «رسم» شجرة العائلة، فما كان من رياض إلاّ أن «كتب» عن الشجرة عوض أن يرسمها.

والسبب، بحسب عمار أسوم، والد رياض، أنّ المكفوف غير قادر على أن يتخيّل الرسوم ذهنياً أو أن يرسمها، ما يوجب استبدال كلّ الأسئلة التي تتضمن علم الهندسة أو الرسوم التوضيحية أو الخرائط بأخرى تناسب وضعه. وحين تنبّه رياض للأخطاء، «أبلغتُ مراقب الغرفة الذي رفع بدوره الشكوى إلى مدير مركز الامتحانات لتعميم ذلك على زملائي في المدارس الأخرى». وقد سمع الوالد أن وزارة التربية فتحت تحقيقاً بالأمر، «لكننا لم نعرف ما هي النتائج».
ولد رياض مكفوفاً، وتفهّم والداه عمّار وندى وضعه وأحاطاه بالرعاية المطلوبة؛ تعرّفا إلى جمعية الشبيبة للمكفوفين حين كان الوالد يعمل في الغازية، فألحق رياض أولاً في برنامج الدمج المدرسي في مدرسة «السفير»، ثمّ في الثانوية الوطنية الأرثوذكسية في الميناء بطرابلس. وظلّت المربّية عائشة تلازم رياض في الصف حتّى السنة الثالثة من التعليم الأساسي. ومع تأمين الجمعيّة معظم الكتب بلغة «البرايل» (لغة المكفوفين)، باتت عائشة تؤدي دور «المترجم» بين رياض وأساتذته، محوّلةً فروضه ومسابقاته من لغة «البرايل» إلى اللغات الأخرى.
يعترف رياض بأنّه لا يحبّ الدرس «أدرس لأن ذلك واجب عليّ، ولو ترك لي الخيار لأمضيتُ نهاراتي في ممارسة هواياتي». يعزف على آلة الأورغ ببراعة، فقد تعلّم المبادئ في جمعيّة العزم للمكفوفين، ثمّ طوّر الموهبة بنفسه، وأصبح الآن يؤلّف المقطوعات الموسيقيّة. كذلك فهو يعزف على المزهر، وقد حفظ المقامات الشرقية منذ كان في الحادية عشرة من عمره. لا يحبّ رياض الاستماع إلى الأغاني «إذا بدّي اسمع بسمع فيروز»، مفضّلاً الأناشيد الدينيّة.
أمّا معظم أوقات فراغه، فيقضيها على الكومبيوتر، الذي استطاع أن يستخدمه لأغراض متعدّدة. يلعب «مورتل كومبت» (Mortal Combat) ببراعة، فيميّز كلّ لاعب من خلال صوته، «وصلت إلى المرحلة الثالثة»، يقولها بفخر.
وبفضل برامج ناطقة متخصّصة، يستطيع رياض الاستماع ـــــ بسرعة فائقة درّب نفسه على فهمها ـــــ إلى القصص والكتب والقصائد. أما الراديو فهو مؤنسه، إذ يتابع من خلاله نشرات الأخبار وبرنامجه المفضّل عن الشعر العربي. وبالمناسبة، ينظم رياض الشعر، ويطمح إلى التخصص بالأدب العربي أو التاريخ في الجامعة. «أودّ لو أصبح أستاذاً جامعيّاً» مثل والديه اللذين يدرّسان الهندسة والعلوم في الجامعة اللبنانية.
هذا الصيف، يمضي رياض نهاراته في مخيّم تقيمه جمعية الشبيبة في مدرسته. وإضافة إلى مشاركته في الأنشطة، يساعد رياض ثلاثة من زملائه في تعلّم القراءة والكتابة بلغة «البرايل» وحفظ اختصاراتها. أمران يطلبهما رياض من الدولة اللبنانية: تطبيق قوانين حماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة لا سيّما لجهة العمل، وتوحيد أبجدية ورموز «البرايل».
يقول الوالد إنّه سيرفع كتاباً إلى المديرية العامّة للتعليم يتضمّن المشاكل التي ترافق الإعداد للامتحانات الرسمية، تحديداً في ما خصّ المواد العلميّة، في ظلّ عدم وجود أبجدية ورموز موحّدة. تحضر أخته الصغرى قصّة وتقول له «انظر هذه الصورة»، يبتسم ويردّ بلطف «ما ترونه انتم، أقرأه أنا بيدي، سأقرأ عليك قصة جميلة في ما بعد». يسكت قليلاً لدى سؤاله عمّا يتمنّاه، ليقول بعدها «الحمد الله»، عبارة يرددها باستمرار.