لاسا فمُ الوادي. هكذا «يدلّعها» أهلها. البلدة، التي تلامس الشمس، تفصل بلاد جبيل عن كسروان. الطريق إلى البحر، على أطراف جبيل، تمر من لاسا، وإلى الجبل في كسروان، تمرّ عبرها أيضاً. تختصر القرية بموقعها الفريد الصورة «الأسطورية» لتركيبة لبنان الجغرافية، حيث يقع البحر على مرمى البصر من الجبل. سرعان ما تمحو الطريق الميتة إلى البلدة (من جهة قرطبا) هذا الكلام الفارغ: القرية متروكة لقاصديها وللسيارات الرباعية الدفع. البحر قريب على الخريطة وحسب. الطريق عبر ميروبا تبعد لاسا عن العاصمة 53 كلم، ومن أفقا، الجارة، حيث الطريق القديمة، تستغرق أكثر من ذلك بكثير. ومن هناك، على ارتفاع 1300 متر، يمرّ النهر أيضاً. نهر إبراهيم الذي يقتحم بلدة أفقا عبر ثقوب في طرقاتها الصحراوية. يصنع النهر حياةً قليلة، قرب الجبال، التي تقترب من بعضها تدريجياً، كأنها تتكاتف، كلما اقتربت الحدود مع لاسا. الزفت في أفقا أوعر من الجبال. قيل الكثير عن الجبال العابسة هناك وعن اقتراب الغيم من الأرض. لكن الأخضر في «لاسا وأخواتها» من قرى «جبّ القنيطرة» ليس أخضر عادياً. نوع من الألوان يدغدغ العين، لكثرته. أما المغارة في أفقا، رغم إهمالها، فتشي ببرودة صيف لافتة، كما تبعث رائحة الماء القديم فيها على الدهشة، فيما تثير الوديان التي تسيّج قرى علمات وحجولا رهبة حادة. لكن هذا المشهد شيء والتوزيع السكاني شيء آخر. قضية لاسا، «عروس الجبّ»، المثارة أخيراً، تختزل لعنة الديموغرافيا. اللعنة التي تعود إلى مئات السنين.
الأرض مقابل الغذاء

يجزم الشيخ محمد العيتاوي، المقيم في لاسا، نقلاً عن أجداده، أن القرية في منتصف القرن التاسع عشر، كانت خاضعة لآل حمادة. في تلك الفترة، كان الإقطاع مألوفاً. وآثار آل حمادة، ما زالت حتى اليوم، قرب مقرّ المطرانية، الذي يتمركز فيه الجيش اللبناني. بعد الإشكال الأخير، اصطفت الدبابات قرب الدير، بحراسة عدد كبير من الجنود، بالنسبة لقرية لا يوجد فيها أكثر من ألف شخص، في عزّ الصيف. وفي مواجهة دبابات الجيش الوطني، بقيت «الخربة» و«مربط الفرس» في مكانهما، منذ أكثر من مئتي عام. طبعاً، لا توحي دبابات الجيش أنها أحدث عهداً بكثير من «خربة» آل حمادة. في أية حال، الأرض لا تروق العيتاوي. هو مقتنع أنها «خُرّبت». المطرانية تقول انها اشترت القرية من أهلها في منتصف القرن التاسع عشر، لكن كبار السن في لاسا، يتذكرون، ما نقل إليهم تواتراً، أن أحداً لم يبع أرضه. والصحيح، وفقاً للعيتاوي، أن «آل حمادة هم الذين باعوا قسماً من الأرض إلى الكنيسة، وشاركوها في بقية الأراضي التي كانوا يملكونها». كان الاختلاف مفهوماً بين الإقطاع والفلاحين العاديين، وآل حمادة أرادوا الاستقرار في منطقة الهرمل. وللمناسبة، كانت المشاركة في الأراضي الزراعية، أمراً مألوفاً آنذاك، نظراً إلى طبيعة المجتمعات. حتى أن المصطلحات التي يستخدمها الكسروانيون خلال الأحاديث العادية اليوم، تدل إلى ذلك. فمن فكرة المشاركة في الأراضي، نبعت مصطلحات «يا شريكي» و«يا معلمي»، في أوساط الكسروانيين.
ويلاقي أبو طعان المقداد، أحد أقدم وجهاء البلدة، العيتاوي في رفضه الاعتراف بمسح 1939. صحيح أن جزءاً من أهل القرية باع أرضه في أوائل القرن العشرين، لكن ذلك حصل «تحت الضغط». يعتقد أبو طعان «بوجود ضغط على السكان الشيعة من الانتداب الفرنسي المنحاز للموارنة». يوضح الرجل المسن، سريعاً، أن أهل لاسا المسيحيين من «أفضل الناس في المنطقة». يسرد كلاماً عن «العيش المشترك»، من دون أن يعقب على وجهة نظر طاغية في القرية مفادها أن معظم العائلات في «الحي المسيحي كانت مسلمة أصلاً، وقد اعتنق الأجداد فيها المسيحية هرباً من التجنيد الإجباري في الجيش العثماني، الذي كان يطال المسلمين وحدهم».
ثمة نقطة أخرى، مفصلية في تاريخ الأراضي، يجتمع عليها «وجهاء» البلدة: «سفر برلك». جاءت المجاعة الشهيرة، في 1917، التي يدرّسها كتاب التاريخ «التسووي» بلا تفاصيل، مكتفياً بنقل الخبر: «التهم الجراد الأخضر واليابس». أهالي لاسا ساخطون لأن التاريخ لا يذكر أن الفلاحين الأجداد تنازلوا عن أراضيهم إلى المطرانية مقابل الطحين والشعير. رغم ذلك، يؤكد أبو حسين حمود، أن رفض أهالي لاسا الاعتراف بمسح 1939 ليس نابعاً من هنا. بدايةً «حاولوا المسح مجدداً بلا مختار وهذا لا يجوز قانوناً». وثانياً، المسح لا يعترف بمنزله، رغم أن المنزل عمره 105 أعوام بالضبط. يعني أنه قبل حادثة 1939 الشهيرة. وفي هذا الصدد، يسحب العيتاوي مستنداً، حصل عليه من مكتبة بكركي، يظهر فيه اعتراضاً واضحاً، في ذلك العام، من الوقف الاسلامي، على «مصادرة الأرض التي يقع عليها المسجد القديم في البلدة».
من جهة أخرى، وكي يؤكد حمود، أن المسح «الكولونيالي» ملتبس، يذكر أن النائبة جيلبرت زوين، باعت قبل سنوات قليلة أراضي وعقارات في البلدة في منطقة «عين السكرة» تحديداً، من دون أن ينشأ أي اعتراض، لا من أهالي لاسا، ولا من المطرانية. فقد كانت الأرض «ممسوحة» حديثاً. لكن، في المحصلة، وفي دولة الاستقلال، طبّق «مسح المطرانية» بالقوة. وربما، لهذا السبب، تعود نشأة «شوارع آل المقداد» في الضاحية الجنوبية (الرويس، الغبيري، الأوزاعي) إلى أوائل الأربعينات والخمسينات، التي شهدت نزوحاً جديداً من لاسا، هو الأكبر بعد نزوح العشائر من أفقا إلى بعلبك والهرمل.

حكم «الاكليروس»

خفتت الحياة في لاسا بعد الاستقلال. صار الوضع الاقتصادي قائماً على المشاركة الزراعية، بين المطرانية التي استملكت أراضي متسلّحة بمسح 1939، وبين السكان الشيعة الذين فضّلوا البقاء في أرضهم. حينها، ظهرت مهنة «الخولي»، وهو إسم كان يستخدم للتدليل على «ناطور» الأراضي الزراعية. يروي كبار السن أن «الخولي» كان مكروهاً ومتهماً بالعمل كجاسوس للمطرانية.
وعلى ذمّة كبار السن، في لاسا، فإن «المطران» كان حاكماً في بلدتهم. أحدهم، يشبّه المطران عبد الله غنيم بـ «أحمد الأسعد لاسا». يقول إن الناس كانوا «يقبّلون يده وينسحبون من عنده وظهورهم إلى الخلف لكي لا يديروها في وجهه». وبرأيه، أسهم هذا الشعور في توتير الأجواء مع الكنيسة كمؤسسة، لا مع الجيران المسيحيين. يسخر الرجل المسنّ من الحديث عن «فائض قوة» تنامى شيعياً بعد تعاظم قوة «حزب الله». فالأهالي موجودون هناك، قبل الحزب بمئات السنين. وبالنظر إلى وثيقة يشهرها حسين حمود، تدل إلى بيع جدته قطعة أرض في القرية، بعد الاستقلال بقليل، يبدو الأمر منطقياً. باعت الجدة الأرض بخمس ليرات فقط. لكن الرجل، الذي ورث الأرض، غير قادر على استخدامها، رغم أن والده اشتراها منذ عشرات السنين. لا يفهم حمود ما الذي يجري اليوم. الشيء الوحيد المفهوم بالنسبة اليه، هو أسباب النزوح الشيعي من لاسا، حتى قبل فترة الحرب. يجزم كثيرون من كبار السن في القرية أن هجرة الشيعة لتلك البلاد قبل الحرب كانت أكثر منها بعدها. وحتى تلك الحقبة، يمكن القول ان سكان لاسا ظلوا، كمعظم سكان بلاد الشام، في العصور الإسلامية الأولى. وهي الفترة التي يرجح العيتاوي قدوم الشيعة فيها إلى لاسا. ووفقاً للكاتب والباحث كمال صليبي، فإن سكان الريف في بلاد الشام انقسموا تاريخياً إلى نوعين رئيسيين من القرويين: العشائر، أو القرويين القبليين، الذين كانوا الأغلبية في المناطق الجبلية والمرتفعات، والفلاحين، أو مزارعي العزب، الذين كانوا موجودين عموماً في وديان الأنهار والأكثر اتساعاً وفي السهول الداخلية والساحلية. ولكن صليبي، أعطى مثالاً الجليل وفلسطين وشرقي الأردن وسلسلة جبال لبنان الغربية والشرقية كمناطق عشائرية، أي لاسا ضمناً. واللافت، أن النوعين كانا يتعايشان في معظم الأنحاء، مع تفوّق العشائر على الفلاحين تفوّقاً واضحاً. وكانت بيئة العشائر بين الزراعية والرعوية، لذلك اتسمّ بعض القبليين المزارعين بنوع من البداوة. وكان أهل العشائر في بعض الحالات يمارسون الرعاية المتنقلة في المواسم. وكانوا يزرعون الأرض ويرعون الأغنام أو الماعز التي يملكونها إفرادياً، أو التي تعود إلى زعيم أو فرد ثري من العشيرة ذاتها. بينما كان الفلاحون يزرعون أملاكاً وعزباً تعود لملاكين او أديرة وغيرها، أو كانوا يعاونون العشائر في أعمالهم اليدو ية، ولم يكونوا يمارسون الرعي عادة. هذا التفوق للعشائر، اختفى في لاسا، على امتداد مراحل تاريخية، استكملت في عهد «دولة الاستقلال». ففي تلك الفترة، تقريباً، فرغت لاسا من سكانها الأصليين، بعد اندثار «توازن» العشائر ــ الفلاحين، مع الملاك ــ الأديرة. فقد صار هناك نظام جديد، أدى إلى سيطرة «أصحاب الأرض (المطرانية) على مزارعيها»، وتالياً، المزيد من هجرة الفلاحين إلى المدينة.

مدخل بعلبك الماروني

في علمات القريبة، حدث «النزوح» نفسه، لكن بتفاصيل مختلفة. يذكر الأستاذ الجامعي د. عاطف عواد، أن النزوح الشيعي إلى المدن بدأ قبل الحرب رغم أن العلاقة مع المحيط «كانت ممتازة». أسباب المغادرة من علمات كانت اقتصادية برأيه. واليوم، عندما تحسنت الأحوال عاد الأهل. لا يذكر عواد مشاكل مع عميد الكتلة الوطنية السابق، ريمون إدة، من دون أن ينفي أن «ظهور حزب الله وحركة أمل غيّر المشهد السوسيولوجي في القضاء»، لكنه لم يغيّر الجغرافيا. ولولا الأسماء لكانت قرطبا ولاسا قرية واحدة مثلاً. تمتد بينهما الجبال نفسها ومنازلهما مصنوعة من الحجر القاسي نفسه. لكن المرور في قرطبا سلس. الطرقات مسيّجة والمنظر المحاذي بديع، فيما يصبح الوادي ذاته مصدر رعب حالما تواجهك اللافتة: «بلدية قرطبا رافقتكم السلامة». هناك من اهتم ببناء هذه الطرقات لوقت طويل. وإذا اختفت صور المطران الماروني، مار نصرالله بشارة الراعي، لحساب صور الرئيس نبيه بري، لست بحاجة إلى كثير من التحليل، لتفهم، أنك في أفقا الشيعية، لا في قرطبا المسيحية، ذلك رغم أن القريتين توأمان. في أية حال، قبل فترة الحرب، لم تكن ثقافة الصور والرايات متفشية أصلاً، كما يؤكد عواد، مستدركاً: «طبعاً حصل تغيير في هوية القرى». في النهاية، القرى الشيعية في جبيل، تغيّرت مع تغير لبناني عام، وإن كان التغير في الجرد غير موازٍ للتطور المديني، فإن في جبيل مشاهدات تضفي على القضاء طابعاً لبنانياً صرفاً، لا تتوقف عند حلول «سعيد» بدلاً من «إدة»، أو «حزب الله» ممثلاً للقرويين الشيعة. مثلاً، اللافتة التي تؤدي إلى الدير في لاسا تقول «مطرانية جونية المارونية». وثمة من لا يحب هذا الإسم، فيقول «أبرشية بعلبك المارونية». كل الأسماء توصل إلى بكركي. وعلى وجه الدقة، يقول العارفون بشؤون الكنيسة، ان لاسا تقع ضمن نيابة بطريركية تابعة لأبرشية جونيه وعلى رأسها المطران أنطوان نبيل العنداري، وبالتالي البطريرك هو المسؤول الأول عن هذه الأبرشية لأنها نيابة بطريركية، علماً أن المطران العنداري هو نائب بطريركي. كما أن هناك وكلاء يشرفون على هذه الأرض. لكن الخلاف، ليس سطحياً، أو محض جغرافي، كما قد يبدو. فإذ كانت بلدة لاسا، تاريخياً، تابعة لمنطقة كسروان، لماذا إلحاقها (إسمياً) بأبرشية بعلبك أخيراً؟ ثمة من يتهم الكنيسة، هناك، بإستغلال الوجود المسيحي (الضئيل) في القرية الجبيلية، لتصويرها «مدخلاً» إلى بعلبك. أحد المطلعين، في بلدة علمات، المحاذية لقرطبا، يعطي بلدة قهمز القريبة، مثلاً للتدليل على أهمية الأسماء، برأيه طبعاً. قهمز بلدة مسيحية وديعة، على حدود لاسا الغربية. لكن، هذه الوداعة، وفقاً لإبن علمات، لا يمكنها أن تطمس تاريخ قهمز الحقيقي. فببساطة «قهمز كانت أمهز». وأمهز، هي إحدى أكبر العائلات البقاعية اليوم، التي يرجع المتابع العلماتي، أصولها إلى قهمز.
وإذ تقول لاسا لا بد من الحديث عن نزاعات. القرية أحرقت 7 مرات. هذا ما جاء في أحد تصريحات نائب حزب «القوات اللبنانية» عن الشوف، جورج عدوان. التصريح الذي عده أهالي لاسا تهديداً مباشراً، إذ أعاد ذاكرتهم إلى «فترة فؤاد الشمالي»، «رفيق» عدوان، و«حكم القوات اللبنانية» في لاسا.

غداً: تقهقر الميليشيات وعودة السكان الأصليين




ما للمطرانية للمطرانية وما للاسا للمطرانية

يقول المتابعون لقضية لاسا اليوم، في البطريركية المارونية، إن الكنيسة لن تقبل بأي حل يؤدي إلى «سلبها أراضيها». ووفقاً لما يشير إليه هؤلاء، فإن الدير في البلدة، وكنيسة السيدة القديمة، المشيّدة عام 1963، يشيران بوضوح إلى «الوجود المسيحي في البلدة قديماً»، مؤكدين أن الطقوس الدينية كانت تتم في الكنيسة خلال فترات كثيرة.
وفي السياق ذاته، أعرب محامي الوقف الماروني، أندريه باسيل، عن أسفه للطريقة التي تجري فيها الأمور، مؤكداً «رغبة الكنيسة في توضيح الحقائق كما هي فعلاً لافتاً إلى وجود وثائق ومستندات تبرز حقوق الوقف في الأراضي»، بيد أنه رفض التعليق على التفاصيل الأخرى، مجدداً التزامه بـ«الهدنة الإعلامية» التي اتفق الجميع عليها، والتي تنتهي في 23 أيلول. وحتى ذلك الحين، فإن الكنيسة ستلتزم الصمت، آخذةً بعين الاعتبار «المساعي السياسية المبذولة لحل الخلاف». لكن، وفي الإطار ذاته، فإن متابعين كنسيين، ذكروا في أكثر من مناسبة، أن «لجنة المتابعة المشكلة من حزبيين وكنسيين وأهال لا يمكنها أن تضرب مسح 1939 بعرض الحائط»، وهو الأمر الذي يرفضه سكان لاسا رفضاً قاطعاً. الأمر الذي تعلق عليه مصادر الكنيسة بغضب بالغ، فهي تملك معلومات تفيد بأن «البناء غير الشرعي» لا يتوقف على العشوائية وعدم الحصول على الرخصة، بل «طال أراضي المطرانية فعلاً»، التي تصر الكنيسة على أنه «حصة الأسد» من مساحة لاسا الإجمالية، البالغة 3 ملايين متر مربع، والتي تحسب المشاعات جزءاً منها. ونظرياً، المشاعات كثيرة في لاسا.



«أبو طعان» الطافر

يمكن القول إن أبو طعان المقداد، المعروف بين كبرى عائلات لاسا، هو واحد من أول الذين «طفروا» من الدولة. الأب الذي فقد خمسة أبناء، بينهم الضابط في الجيش، وكابتن الطيران، والمرشح السابق للانتخابات، يذكر جيداً، الخلاف بينه وبين أحد المطارنة في المنطقة، على خلفية مصادرة أراض تعود لأهالي لاسا. في ذلك الوقت، لم تشفع له علاقاته الكثيرة التي نسجها مع مواطنين مسيحيين، كانوا أصدقاءً له، تعرف إليهم عبر محطة المحروقات التي كان يملكها على طريق المطار. أسس تلك المحطة عام 1949. كانت محطة المحروقات تجارة نادرة حينها. ولكن، في 1975، وبعد خلاف مع «خوري شكر الله حرب»، اضطر أبو طعان للعيش في الجبال، هرباً من الدولة، التي لاحقته، تحت ذريعة تهمٍ «لا يفهمها حتى اليوم». كل ذلك، لأن «الخلاف كان مع المطران». الطافر الأول، شبه متيقن، بأن الكنيسة، كمؤسسة، لا تشبه رعيتها. بكلمات أخرى، الرجل أحب مسيحيي بلدته الطيبين، فيما كانت «المطرانية تؤذي الناس قبل الحرب الأهلية».
اليوم، الرجل لم يعد طافراً. صار «وجيهاً». ما زال يتذكر جيداً، يوميات العيش في الجبال، التي استمرت حتى عام 1980، حين انتهت القصة، من دون أن يكون الحل جذرياً. فقد عاودوا الحديث عن «مسح عام 1939».