• التقيت بنساء تعرضن للاغتصاب • غياب الحماية القانونية يسبّب عبودية
• تلقيت ضمانات بتحسين ظروف الاحتجاز

يخطئ من يظن أن زيارة غولنارا شاهينيان بصفتها مقرّرة الأمم المتحدة بشأن الرق المعاصر لبيروت هي مجرد زيارة بروتوكولية. الدعوة والترحيب الرسمي لا يلغيان المساءلة عن تفشي ظاهرة سوء معاملة عاملات الخدمة المنزلية في لبنان. تستطلع «الأخبار» نتائج الزيارة في مقابلة خاصة


هل هناك وعي كافٍ لطبيعة الولاية التي منحت لك من الأمم المتحدة كمقرّرة خاصة معنية بالرق المعاصر؟

ـــــ لا فهم مشتركاً لما يعدّ أشكالاً معاصرة للرق. فرغم أن الكثير من المنظمات غير الحكومية والوكالات التابعة للأمم المتحدة تعمل في قضايا مثل البغاء القسري والعمل القسري اللذين يعدّان رقاً أو ممارسات شبيهة بالرق، يرى عدد قليل منها أن هذه المسائل تعدّ رقاً.

ما هي طبيعة زيارتك للبنان؟ وماذا سينتج منها؟

ـــــ أشكر الحكومة اللبنانية التي وجهت إليّ دعوة لزيارة لبنان عام ٢٠٠٩. لكن الظروف لم تسمح بأن أقوم بهذه الزيارة في حينه. كذلك فإنني أرحّب بموافقة لبنان على توصية المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان عام ٢٠١٠ بتوجيه دعوة مفتوحة ودائمة إلى جميع المقرّرين الخاصين في الأمم المتحدة لزيارة لبنان من دون دعوات مسبقة، وهذا يدلّ على أن هناك وعياً لطبيعة عملنا والدور الذي نؤديه لتحسين واقع حقوق الإنسان في البلدان التي نزورها.
مثّلت الزيارة فرصة استثنائية للقاء الهيئات الحكومية ونشطاء حقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني لكتابة تقرير سيقدّم إلى مجلس حقوق الإنسان في الدورة التي ستعقد في أيلول ٢٠١٢. لقد زرت العديد من البلدان منذ بدء ولايتي عام ٢٠٠٨، وتوصيتي الأهم التي سيتضمنها التقرير تتعلق بضرورة توفير حماية جدية لأكثر من ٢٠٠ ألف عاملة في الخدمة المنزلية. وبغياب هذه الحماية القانونية، يعيش عدد كبير من العاملات في ظروف عبودية. والعبودية تعني أن الفرد مجبر من طريق الإكراه المادي أو المعنوي على العمل من دون أي مكافأة مالية حقيقية، ومحروم الحرية ويعيش في حالة تتنافى مع الكرامة الإنسانية. وتتعرض العاملات للعمل القسري بسبب طبيعة عملهن التي لا توفر الحماية، والعلاقة ذات الطابع الشخصي للغاية بين العامل وربّ عمله وبسبب الوضع القانوني غير المضمون، ويجري العمل في منزل الأسرة الخاص ويضطر العامل إلى اللجوء لوسائل خفية للاتصال بالعالم الخارجي، المستبعد عادة من المكان الذي يعمل فيه العامل. لقد التقيت بنساء في مراكز إيواء تعرّضن للعنف والاغتصاب وأجبرن على العمل لساعات متواصلة، وتعرضن للشتم والتحقير. للأسف، حلقة الإساءة تبدأ من الوكالات التي تستقدمهن، ولاحقاً في منازل الأسر التي يعملن فيها. هذا الوضع غير مقبول ويجب أن يتوقف.

كيف تقوّمين الخطوات التي تقوم بها الحكومة اللبنانية؟

ـــــ لقد اطلعت على مشروع قانون العمل المنزلي الذي أعدّته وزارة العمل وأُبلغت بقرب التصديق على هذا القانون. وكذلك اطلعت على الإجراءات التي يتخذها الأمن العام في المطار وفي مراكز الحجز وحصلت على ضمانات بتحسين ظروفها. كذلك اطلعت على عقد العمل المشترك الذي اتفق عليه. هذه الخطوات مهمة ونرحب بها، لكن المطلوب أساساً توفير أعلى درجات الحماية القانونية، فمن غير المقبول اعتبار العاملة التي هربت من منزل مستخدميها بسبب سوء المعاملة خارجة عن القانون. الحل الأمثل برأيي هو في تخيير العاملة بين البقاء في المنزل والمكوث في بيت مستقل، وهذا الأمر يخفف أعباءً كبيرة على الطرفين ويعطي الحرية المقرونة بالمسؤولية الشخصية للعاملة. دول أميركا اللاتينية تطبق هذا الأمر، أما في الشرق الأوسط، فيمثّل نظام الكفالة عائقاً كبيراً أمام تمتع العاملات بحقوقهن الأساسية التي كفلتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الأساسية، ولا سيما الاتفاقية الخاصة بالرق لعام ١٩٢٦ واتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص، وبروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال.
انضم لبنان إلى جميع هذه الاتفاقيات، ووقّعت الحكومة أخيراً الاتفاقية الخاصة بالعمالة المنزلية التي أبصرت النور في حزيران الماضي، وهذه الاتفاقية وغيرها من اتفاقيات منظمة العمل الدولي تسهم في القضاء على العمل القسري، لكن المطلوب قوانين وطنية والتزام تطبيقها. وبديهي القول إن هناك مسؤولية كبيرة على حكومات البلدان المرسلة للعمالة، وأنا أدعوها إلى عقد اتفاقات ثنائية مع الحكومة اللبنانية وتدريب العاملات على حقوقهن وعلى ثقافة البلد الذي سيعملن فيه، وهذا بديل تلقائي للإجراءات السلبية التي تجري من طرف واحد عبر منع العاملات من السفر إلى لبنان، ليتبين أنهن يصلن بأعداد كبيرة عبر الانتقال من بلد إلى آخر في ظروف بالغة الصعوبة.

ماذا عن عنصرية المجتمع اللبناني؟ هل لمست هذا الأمر؟

ـــــ أقترح أن تتضمن المناهج الدراسية دروساً في عدم التمييز. هذه ثقافة يجب أن تعمّم للأجيال الصاعدة. أمر آخر أقترحه على الحكومة اللبنانية، هو أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية عبر خبير اجتماعي بدور بديل من المفتش الذي يمكن أن ترسله الوكالة الخاصة أو الأمن العام أو وزارة العمل؛ لأني أعتقد أن غياب الشؤون الاجتماعية هو سبب غياب الحماية الاجتماعية للعاملات، وهذه ثغرة آمل معالجتها في المستقبل.




مناضلة نسوية

تسلمت غولنارا شاهينيان مهمتها كمقرّرة أممية معنية بالأشكال المعاصرة للعبودية في عام 2008، وهي محامية ذات خبرة واسعة، لكونها مستشارة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. عملت خبيرة في مجال الاتجار بالمخدرات لدى منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي نائبة الرئيس المنتخب للجنة المتخصّصة في مكافحة الاتجار بالبشر المنبثقة من مجلس أوروبا. ترأسّت اتحاد النساء الأرمنيات، وشغلت عدة مناصب حكومية في مجلس مدينة يريفان.