يعاني طلّاب المدارس المهنيّة من مشاكل عديدة، منها ما يتعلق بالمنهج، أو سوق العمل، لكن يبدو لافتاً أنهم إلى اليوم لا يزالون يعانون من نظرة المجتمع السلبية إليهم. ويعزّز هذه النظرة أن خيار «المهني» يأتي غالباً بعد الرسوب في الدراسة الأكاديمية، بالإضافة إلى المشاكل التي «يشتهر» بها طلاب المهنيات. نسمع كثيراً عن بعض المهنيات التي تتحوّل إلى «ساحة حرب»، وينقسم الطلّاب فيها إلى جبهتين، مع ما يرافق ذلك من شتائم، ضرب، تهديد ووعيد. عندها تبرز إلى السطح التعليقات التي يتسلّح بها معارضو هذه المدارس: «كأنّ أولادنا يتوجّهون كلّ يوم الى الشارع وليس إلى مدرسة!».
«إلا أنّ المشاكل قد تقع في أي مكان»، كما يقول بعض الطلّاب الذين التقينا بهم، في مدارسهم أو في الأماكن التي يتدربون فيها. هم من الذين ينأون بأنفسهم عن المشاكل ولا يريدون «وجعة الراس». لكنهم في معرض دفاعهم عن المهنيات وجودة تعليمها والمستقبل الذي تعدهم به، لا ينفون شعورهم بالغبن لأن «المجتمع يصدر بحقنا أحكاماً لسنا بالضرورة مسؤولين عنها». لذلك يبدون حماسة للحديث عن دراستهم التي أحبّوها، وإن كان معظمهم اختارها في البداية «مجبراً».
يعترف جورج (هندسة داخليّة) بأنه نادم لأنّه لم يلجأ إلى المهني إلا بعد رسوبه في الأوّل ثانوي، خصوصاً عندما يرى الصعوبات التي يواجهها رفاقه في الجامعة، كما أنّه يشعر بالفخر عندما يساعدهم على إنجاز أعمالهم. نلاحظ الحماسة والفرح في عينيه عندما يتحدّث عن تشجيع أهله له، بالإضافة الى حبّه وشغفه للهندسة الداخليّة التي يتخصّص بها. لكنه لا يخفي حزنه عندما يخبرنا عن نظرة بعض الناس السلبيّة تجاهه وهي تعود برأيه الى جهلهم بأهميّة هذا التعليم وتمسكهم بالمظاهر.
شفيق (كمبيوتر) رسب أيضاً في الثانوي الأول، ولأنه يريد الحصول على شهادة، اختار الانتساب إلى المهنيّة. ويبدو واضحاً أنّه لا يكترث بنظرة الآخرين اليه، خصوصاً أنّه مطمئنّ الى مستقبله العملي المؤمّن في شركة المقاولات التي يملكها والده.
أما ريتا (محاسبة) فتبدو مقتنعة بخيارها، على الرغم من نظرتها السلبيّة تجاهها في البداية. «غيّرت رأيي بعدما لقيت نتيجة إيجابيّة» تقول. حتى أن رفاقها يحسدونها على خيارها نظراً إلى الخبرة التي حصلت عليها. «طلاب المهنيّ يتعمقون بالاختصاص الذي يختارونه ويتدربون قبل دخولهم إلى الجامعة، الأمر الذي يشكل امتيازاً لهم».
راشيل (تربية حضانة) اختارت المهني لأن «الدراسة الأكاديميّة لم تستهوني، وبما أنني أحبّ الأطفال كنت أعلم مسبقاً بأنّني سأستفيد أكثر». وقد وقف الأهل إلى جانبها وشجعوها، لكنّها واجهت معارضة من آخرين.
تحمّل مديرة مدرسة القرطباوي المهنيّة الأخت ماري-روبير نصر الدولة المسؤوليّة عن نظرة المجتمع السلبيّة لهذا القطاع «فهم ينظرون إليه دائماً على أنّه العنصر الضعيف ويعتقدون أنّه أمر بسيط وسهل ومخصّص فقط للتلاميذ الذين لم يوفقوا في الأكاديمي». وتجزم الأخت نصر بأن لا سلبيّات.. «بإمكان متخرّج البكالوريا المهنيّة الدخول إلى الجامعة التي يريد تماماً كزميله الأكاديمي».
يتوافق أساتذة التعليم المهنيّ في لبنان على أهميّته. وبرأيهم يتميّز طلاب المهني، بقدرتهم على الاستيعاب بسرعة نظراً إلى التدريب الذي يتلقونه، كما أنّهم يملكون الأفضليّة عند التوظيف. وتؤكد أستاذة الاقتصاد والحقوق سينتيا طربيه على إيجابيّات المهني، معتبرة أنّ «طلاب المهني مستواهم أقوى من مستوى الطلاب الاكاديميين، نظراً إلى الخبرة والتجربة التي يحصلون عليها». مضيفة أنّ «سوق العمل في لبنان بحاجة الى يد عاملة وأغلب المطلوبين يكونون من متخرجي المهني».
أما أستاذ الكهرباء ايلي بردويل فيوضح أن «بلدان العالم قامت من بعد الحرب العالميّة الثانية بفضل التعليم المهني، لكن في لبنان مشكلتنا هي أولاً في عقليّة الأهل، وثانياً في الدولة التي تسمح للراسبين في الشهادة المتوسّطة بالالتحاق بالتعليم المهني». ويضيف أنّ متخرج المهني بإمكانه دخول سوق العمل إذا لم يكمل في الجامعة، لكن تلميذ الأكاديمي يضطّر الى العمل في ما لا يرضي طموحه إذا لم يتابع تحصيله الجامعي». ويختم «المهني يخرّج رجالا يعرفون ما يريدون».