في بداية 2010، علت أصوات المتشائمين إزاء حركة الإنتاج السينمائي المصري في العقد الثاني من القرن الجديد. وهي الحركة التي شهدت انتعاشة مطّردة طوال السنوات العشر الأولى من القرن نفسه، مدعومةً بصعود جيل جديد من الممثلين الذين لم يتخصصوا فقط في الكوميديا. أضف إلى ذلك اهتمام شركة عملاقة مثل «روتانا» بأن تكون لاعباً رئيسياً في سوق يسيطر عليه تكتلان هما «الشركة العربية للإنتاج والتوزيع» بقيادة إسعاد يونس و«المجموعة الفنية المتحدة». لكن الأزمة المالية العالمية أخرجت «روتانا»، ولو موقتاً، من اللعبة وأثرت في حجم الإنتاج الذي تأثر أيضاً بتزامن شهر رمضان مع الصيف. وفيما ظن كثيرون أن السينما المصرية ستعيش سنوات عجافاً كتلك التي عاناها السينمائيون بعد حرب الخليج، جاءت الأيام الأخيرة من 2010 لتؤكد أن الوضع ليس سلبياً إلى هذه الدرجة. على مستوى المنافسة المحلية، فاجأت المنتجة إسعاد يونس الجميع بالتعاقد مع ثلاثة نجوم دفعة واحدة هم أحمد عز، ومحمد سعد وعمرو عبد الجليل. بل بشّرت بالمزيد، مع فوزها بالنجم عادل إمام بعد انهيار شركة «غودنيوز غروب». هكذا، وضعت منافسيها في موقع صعب في انتظار ردّهم على تلك الصفقات. إذ تقاس قوة كل شركة حالياً بعدد نجوم الشباك المنضوين تحتها. وبالطبع، تعني كل هذه التعاقدات أن هؤلاء النجوم ضمنوا أفلاماً جديدة في العام المقبل، ما يؤكد أن المنتجين المصريين لم يعودوا مهتمين بالخلل الذي حدث في مواسم الإقبال الجماهيري، لكن شرط توفير الحد الأدنى من المحتوى الفني الجيد القادر على جذب الجمهور مهما كان توقيت العرض. وهو ما يؤكده فيلم «678» للمخرج محمد دياب؛ إذ شهد إقبالاً منذ انطلاق عرضه الأربعاء الماضي بعدما نجحت الحملة الدعائية في تأكيد أهمية الشريط الذي يناقش ظاهرة التحرش الجنسي للمرة الأولى في تاريخ السينما المصرية. ليس هذا فقط، بل هناك أكثر من 10 أفلام مرشحة للعرض في كانون الثاني (يناير) المقبل. ولم يعد سيناريو انتظار موسم أفضل مطروحاً، وخصوصاً أنّ بين هذه الأفلام أعمال لنجوم مثل كريم عبد العزيز (فيلم «خليها على الله»)، وأحمد عز (365 يوم سعادة)، والمخرج خالد يوسف (كف القمر). غير أن صحوة السينما المصرية لم تقتصر فقط على الناحية التجارية التي تتمثّل في حضور الجمهور في الصالات وانتعاش الصناعة طوال العام. لقد امتدت هذه الصحوة إلى المهرجانات العربية والعالمية من خلال نجاح مجموعة من الأفلام المستقلة في جذب الانتباه وتقديم وجه جديد للسينما المصرية. إذ شُغل النقاد أخيراً بأفلام مثل «ميكرفون» لخالد أبو النجا الذي شارك في مهرجانات عالمية وحصد جائزة «التانيت الذهبي» في «مهرجان قرطاج»، وأفضل فيلم عربي في «مهرجان القاهرة»، وشارك في «مهرجان دبي»، وأصبح أول فيلم مصري يشارك في «مهرجان وهران» الجزائري بعد أزمة أم درمان الشهيرة. كذلك حصد فيلم «حاوي» لإبراهيم البطوط الجائزة الأولى في «مهرجان الدوحة ترايبيكا». بينما شهد «مهرجان دبي» العرض الأول لفيلم «الخروج من القاهرة» للمخرج هشام عيسوي، واحتضن «مهرجان القاهرة» العرض الأول لفيلم «الطريق الدائري» لتامر عزت. وكلاهما صوِّر بطريقة الديجتال بعيداً عن سطوة النجوم لتقديم موضوعات مغايرة لما تقدمه السينما التجارية التي لا يرفضها المستقلون، لكنهم يطالبون بمساحة موازية لدعم الصورة الكاملة للسينما المصرية.