بعد ثلاثة أيام على وفاته بصعقة كهربائية، وصل جثمان يحيى سعادة ليل أمس إلى مطار بيروت. وقد حضر إلى المطار مجموعة من أصدقائه مرتدين اللون الأبيض بدلاً من الأسود، نزولاً عند رغبة شقيقته إيمان التي كانت معه في إزمير حيث كان يصوّر فيديو كليب للمغنية مايا دياب. وكانت أخبار كثيرة قد سبقت وصول جثمان يحيى، فيما انتشر فيديو على «يوتيوب» يظهر وميض الصعقة التي أودت بحياته. وحتى الساعة، لا يزال الوسط الفني مذهولاً بخبر الوفاة: من هيفا وهبي إلى كارول سماحة ودومينيك حوراني وسعيد الماروق...
بدا الجميع غير مصدّقين الخبر. وقد أعرب هؤلاء على صفحاتهم الخاصة على «فايسبوك» عن حزنهم الشديد لرحيل «المخرج اللبناني المبدع».

سعادة عمل مع عدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعرب. ولم تخل فيديو كليباته من الإثارة، ما عرّضه لهجوم النقاد. لكن المخرج الشاب (39 عاماً) لم يتأثر بالجدل الذي كان يلي عرض أعماله، بل أصرّ على الاستمرار في الطريق الذي اختاره.
بدأ سعادة مشواره إلى جانب خبير التجميل اللبناني فادي قطايا. وقد ألّفا معاً ثنائياً ناجحاً في التسعينيات، فكان يحيى سعادة يلتقط صوراً غير تقليدية للفنانات والعارضات، ليتحوّل بعدها إلى أول مدير فني لبناني مختصّ في الفيديو كليب. هكذا عمل أولاً مع سعيد الماروق، ثمّ ساعد نادين لبكي، وخصوصاً في كليبات نانسي عجرم الأولى مثل «أخاصمك آه».
ومن دائرة المساعد أو المدير الفني، انتقل إلى خلف الكاميرا بصفته مخرجاً. وأول عمل حمل توقيعه كان مع أمل حجازي في أغنية «بياع الورد». حالما عُرض العمل، بدأت ردود الفعل ضدّ المغنية اللبنانية ومخرج الكليب، إذ رأى كثيرون أن ارتداء حجازي تي شيرت .mr b هو ترويج للمثلية، على اعتبار أن هذه الماركة تباع في الغرب للمثليين. بعد هذه الحملة، جرت «مَنتَجة» الفيديو كليب ليظهر بصورة أخرى. لم يفهم سعادة سبب هذه الحملة، وظل يدافع عن موقفه وعن خياراته.
وبعد «بياع الورد»، خاض معركة أخرى عندما أخرج كليب «مش قادرة استنى» لهيفا وهبي. يومها اتُّهم المخرج المثير للجدل بالإساءة إلى الصليب، واضطر إلى تقديم اعتذار إلى الكنيسة. واستمرّ عمله مع وهبي، ما أمدّه بجرعة إضافية من الشهرة. ثم أخرج «قلبي اسألو» لنوال الزغبي، فقدّمها في صورة مختلفة عن صورتها التقليدية، وهو ما دفع النجمة اللبنانية إلى إعادة الكرّة ثانية في أغنية «منى عينه».
وفي ظلّ هذه المواقف، خاض صراعات قانونية، وخصوصاً مع الممثلة المصرية سمية الخشاب، بعدما أخرج لها فيديو كليب أغنيتين هما «عيزاك كده»، و«كله بعقله راضي».
أما العمل مع ميريام فارس، صديقة يحيى، فلم يخل من الجدل. في كليب أغنية «يسألني مكانه وين» اتّهمت فارس المخرج اللبناني بالتركيز على مفاتنها، لكنّ الخلاف بينهما لم يستمرّ طويلاً، بل عادا إلى العمل في الفوازير التي صوّرتها المغنية اللبنانية في رمضان الماضي. واستمرّ منتقدوه بالتهجّم عليه، وخصوصاً بعد «خليني شوفك بالليل» الذي صوّره لنجوى كرم. هنا، اتّهمه بعض الصحافيين بـ«الترويج للخمر على محطة سعودية (روتانا)»!
كذلك فإنّ الطريقة التي صوّر بها علاقة كرم بحبيبها لم تعجب كثيرين. ولم يأبه سعادة كثيراً بإيقاف كليب «جرح غيابك» لكارول صقر بأمر من الوليد بن طلال نهاية عام 2009، ولم يدلِ برأيه في المسألة، ربما لأنّه أدرك أن العمل حقّق نجاحاً كبيراً. وبعد هذه الأعمال، كرّت سبحة الانتقادات التي بلغت ذروتها مع أغنية «وعد عرقوب» لشذى حسون، إذ اتُّهم بتقديم عمل معادٍ للعراق ومتعاطف مع الاحتلال الأميركي.لكن كل من يعرف يحيى سعادة يدرك جيداً أن الاتهام الأخير غير صحيح. المخرج اللبناني المولود في رأس بيروت لعائلة قومية سورية، لم توفّره الحرب اللبنانية من عبثيّتها. عبّر مراراً عن مواقفه المعادية للاحتلال الإسرائيلي. وهي الثورة التي حملها معه في أعماله، بعدما ترك الهندسة الداخلية التي بدأ بدراستها، مختاراً طريقاً آخر يشبه شخصيته.
رحل يحيى سعاد الجمعة الماضي، تاركاً خلفه عشرات الأعمال والفيديو كليبات، وشركة إنتاج خاصة به هي «أوفر بيروت over beirut» قد تكمل الخطّ الذي رسمه لنفسه. لكن بغض النظر عن مأساوية هذه الحادثة، تبقى الإشارة ضرورية إلى أن سعادة رحل بعد أشهر فقط على وفاة صديقَيه المقرّبين عارض الأزياء سامر الياس، والمخرج محمود المقداد.


يصلّى عن نفسه عند الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم، في كنيسة مار ضومط ـــــ زوق مكايل (شمالي بيروت)