يعود سلمان رشدي (1947) إلى الأضواء مجدداً... هذه المرّة من طريق الفنّ السابع. هناك طبعاً أصداء روايته الجديدة «لوكا ونار الحياة»، إضافة إلى إعلان الروائي البريطاني الهندي بدء كتابة مذكراته التي يعود فيها إلى المنعطف الذي شهدته حياته بعد إهدار دمه عام 1989. لكنّ الحدث «الرُشديَّ» الأبرز، هو وصول صاحب «آيات شيطانيّة» أخيراً إلى الشاشة الكبيرة، للمرّة الأولى. أعلنت ديبّا مهتا، نيّتها تحويل رائعة رشدي «أطفال منتصف الليل» (1981) إلى شريط سينمائي.
السيناريو أنجزته السينمائية الكندية الهندية جنباً إلى جنب مع رشدي، في ورشة تنقيح وكتابة استغرقت سنتين، على أن تنتج شركة «هاملتون ــــ مهتا» العمل المرتقب. لماذا تأخّر أدب رشدي كلّ هذا الوقت في الوصول إلى الشاشة الكبيرة؟ السؤال مشروع طبعاً، لكن الإجابة جاهزة أيضاً: يعود السبب برأي كثيرين إلى صعوبة تجسيد تلك الأعمال التي تنتمي أسلوبياً إلى مدرسة «الواقعية السحرية».
ثلاثة عقود تفصل بين صدور «أطفال منتصف الليل»، وتحويلها إلى شريط سينمائي. تجربة ستعيد بلا شك طرح النقاش القديم عن علاقة السينما بالأدب، وحساسيّة الاقتباس. حازت الرواية جائزة «بوكر» البريطانية عام 1991، وتدور في مرحلة الاستعمار البريطاني للهند إلى الاستقلال، من خلال قصة البطل سليم سيناي. ولد سليم في بومباي في اللحظة ذاتها التي نالت فيها الهند استقلالها، أي في منتصف ليلة 15 آب (أغسطس) 1947. وهو يملك قوى سحرية، ويدرك أنّ كل الأطفال الذين ولدوا في تلك اللحظة يملكونها أيضاً... نسمعه يروي قصة عائلته، ومحاولته للتقريب بين أولئك الأطفال، وكلّ ذلك على خلفيّة تاريخيّة تعرض الأحداث التي أدّت إلى استقلال البلاد.
الاقتباس السينمائي لأحد أهمّ أعمال رشدي، يعيدنا إذاً إلى نقطة البداية. سيعيد جمهور واسع اكتشاف الرواية من خلال الشاشة، مؤجّجاً الخلاف الأزلي بين هواة السينما ومحبّي الأدب. تعود عملية اقتباس النص الأدبي سينمائياً، إلى العقود الأولى لنشأة الفن السابع، حين اقتبس السينمائي النمساوي إيريك فون ستروهيم، رواية الأميركي فرانك نوريس «ماك تيغ» (1899) اقتباساً كاملاً، وحوّلها إلى فيلم صامت بعنوان «جشع» (1924). بلغت مدّة الشريط حينها 16 ساعة، قُصَّ لاحقاً مرات عدة، إلى أن بلغ نحو ساعتين، لكنّه جاء مفكّكاً وغير مترابط.
تطرّق العديد من المنظرين لمسألة الاقتباس السينمائي للأدب، أمثال السينمائي الروسي سيرغي آينشتاين، إضافةً إلى النقاد الفرنسيين، مع شيوع «الموجة الجديدة»، وسينما المؤلف. لا يمكن أن ننسى هنا بعض الاقتباسات السينمائية الناجحة، مثل عمل فيليب كوفمان «خفة الكائن التي لا تحتمل» (1988) عن رواية ميلان كونديرا، وأدت بطولته حينذاك جولييت بينوش إلى جانب دانيال داي لويس. نذكر أيضاً ـــ من أمثلة ناجحة عدّة ـــ فيلم «طبل الصفيح» («السعفة الذهبيّة» في كان، 1979) عن رواية غونتر غراس بتوقيع مواطنه الألماني فولكر شلوندورف.
في المقابل، هناك الكثير من الاقتباسات السيئة، مثل «العمى» (2008) عن رواية جوزيه ساراماغو، كما صوّرها فرناندو ميريلليس... أو حتى الكارثية مثل «الحب في زمن الكوليرا» (2007) عن رواية ماركيز كما رآها مايك نويل.
في السينما العربيّة، هناك اقتباسات مميزة مثل «زوجتي والكلب» (1971) من إخراج سعيد مرزوق الذي استلهم إلى حدّ ما مسرحية «عطيل» لشكسبير، و«المخدوعون» لتوفيق صالح عن رواية غسان كنفاني وغيرها... لكنّ جدل الاقتباس هذا لا ينتهي. محاولة إيجاد الخطّ الرفيع للتوازن بين العمل الأدبي والسينما، تشغل بال السينمائيين والمهتمين بالأدب على السواء.
من المبكّر التنبّؤ بمصير «أبناء منتصف الليل»، لكن المعادلة قد تأتي مغايرة؛ لأن سلمان رشدي نفسه شارك في كتابة سيناريو الفيلم العتيد. وقد تناول الروائي الشهير مسألة الاقتباس في إحدى مقالاته السابقة، إذ تساءل عن كيفية صناعة نسخة أخرى من عمل أدبي، تكون أصيلة، مع احتوائها على روح العمل الأول وركيزته؟ وكان رشدي قد انتقد بشدة فيلم «مليونير مدن الصفيح» والرواية التي اقتبس عنها أيضاً (ترجمت إلى العربية بعنوان «المليونير المتشرد» عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»).
ورغم إعجابه بالتصوير السينمائي، إلا أنّه عدّ القصة مستحيلة، ولا تمتلك حداً أدنى من الصدقية. كذلك انتقد مخرج الفيلم داني بويل، بعد تصريحات الأخير بأنّ أحد دوافعه لإخراج الفيلم هو «عدم معرفته بالهند»! ووصف رشدي تصريحات بويل هذه بالمواقف ما بعد الاستعمارية، الموجهة من العالم المتحضّر إلى العالم الثالث.
كلام كهذا يشي بالكثير، وخصوصاً أنّ المخرجة ديبّا مهتا واجهت انتقادات عدّة عن فيلمها «ماء» (2005)، لكونه يرسّخ النظرة الاستشراقية، بتناولها اضطهاد النساء في الهند، كما تناوله البريطانيون، باعتباره أحد مبررات الاستعمار. لهذا السبب، شارك الروائي البريطاني على الأرجح في كتابة السيناريو. سلمان رشدي الذي وصف نفسه بالـ«مثقف سينمائياً»، و«المؤمن بجماليّة الفن السابع» أراد أن يعطي العمل فرصته على الشاشة. لم يبق لنا إذاً، إلا الانتظار...