انتظرت بيروت عقوداً لترى «عائد إلى حيفا» على المسرح. بيروت هي المدينة التي احتضنت غسان كنفاني الأديب والمناضل، وأحد رموز المقاومة الثقافية الفلسطينية، إذ استقرّ فيها منذ عام 1960، حتّى اغتياله عام 1972. على خشبة «مسرح بابل»، اختارت المخرجة لينا أبيض و«مؤسسة غسان كنفاني الثقافية» افتتاح العروض مع ذكرى إصدار الأمم المتحدة القرار 194 الذي يمنح الفلسطينيين حق العودة.
قبل بيروت، جرت مسرحة الرواية الشهيرة في عمّان العام الماضي، بمبادرة من غنام غنام، ويحيى الشتاوي خلال «مهرجان المسرح الأردني». وبهذا تكون عمان المدينة الأولى التي احتضنت عملاً مسرحياً مأخوذاً عن «عائد إلى حيفا» بالعربيّة، خلافاً لما ذكره ملصق المسرحية البيروتية الذي قال إنّ عمل لينا أبيض هو أوّل اقتباس للمسرحيّة بلغة الضاد.
يحيي العرض قصة صفية وسعيد اللذين أرغما على مغادرة منزلهما في حيفا عام 1948، تاركين طفلهما الرضيع. بعد عشرين عاماً، وعلى أثر نكسة الـ1967، سمحت قوات الاحتلال للفلسطينيين بزيارة بيوتهم القديمة. يجد الزوجان بيتهما وقد استملكته إسرائيلية مع ابنها دوف، المجنّد الاحتياطي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن هذا الأخير ليس إلا ابنهما.
يمكن أن ندرج هذا العرض في إطار «المقاومة الثقافية» التي تتخذ من العمل المسرحي أداةً لها. غالباً ما يكون تناول مسألة حساسة كالقضية الفلسطينية على نحو عاطفي أو خطابي، لكنَّ عرض لينا أبيض حاول الابتعاد عن هذا النوع من الوجدانيات، مستبدلاً الخطابات، بسرديات لغوية تحكي تاريخ تهجير الشعب الفلسطيني عموماً، وبسرديات تخييلية خاصة تحكي ماضي الشخصيات وآمالها. هذا السرد الموضوعي الذي مثّل أساس العمل المسرحي، فرض على الممثلين أداءً حيادياً.
اهتم العرض أيضاً بتقديم مشاهد متتابعة، محاولاً إعادة تركيب قصة نعرفها سلفاً. لكنّ النقلات بين المشاهد اتسمت في أكثر الأحيان بالاعتباطية، مع غياب خط متصل للفعل المسرحي. هذا ما أدى إلى إحساس عام بعدم وجود وحدة عضوية للمسرحية. هذا التفكك في البنية أسهم فيه إقحام شخصيات لم تُوظَّف بالنحو الأمثل كشخصية العروس والعريس، والطفل على الخشبة. مشهد المواجهة بين سعيد ودوف مثّل عاملاً آخر لتشتت بنية العرض المسرحي. جاءت المواجهة بلغات متعددة: العربية، الإنكليزية، والعبرية، من دون وجود ترجمة لما يحدث على الخشبة. ويمكن قراءة هذا الخيار، كمحاولة عكس حالة الهوة الفاصلة بين الأب والإبن. وعلى المستوى المسرحي، جاءت هذه التمايزات اللغوية لتنزع الحرارة المتوقعة عن اللقاء بين الأب وابنه.