طهران| لم يكن متوقعاً أن تصدر محكمة الثورة في طهران حكماً بهذه القسوة، بحق واحد من أبرز السينمائيين في إيران. محامية جعفر بناهي، فريدة غيرت، رأت أن الحكم ليس نهائياً، وتفاءلت بتسوية تغلق الملف القضائي. وكانت محكمة الثورة قد فاجأت الجميع بحكم من القرون الوسطى: السجن لستة أعوام، والمنع من إخراج أفلام وكتابة أيّ نوع من النصوص، والمنع من السفر أو التحدث إلى وسائل الإعلام المحلية والأجنبية لمدة 20 عاماً. وكانت التهم الموجهة إلى صاحب «تسلل»: «التجمع والتواطؤ بهدف ارتكاب جريمة ضد الأمن القومي، والدعاية ضد الجمهورية الإسلامية».
قدّم الادعاء الإيراني أدلّة على مشاركة بناهي في مراسم عزاء أقيمت في مقبرة «جنة الشهداء»، تضامناً مع ضحايا أحداث العام الماضي، لكنّ المتعاطفين مع السينمائي، يذكّرون بأنّ المثقفين الإيرانيين الذين يؤيّدون التيار المعارض، إنما يفعلون انطلاقاً من دوافع فكرية وفنية... ولا علاقة لذلك بأيّة جهات خارجيّة تخطّط للضغط على الحكومة الايرانيّة، واستغلال حركة الاحتجاج الأخيرة. لقد قدّم عشرات السينمائيين الإيرانيين دعمهم إلى مرشحي التيار الإصلاحي، سعياً إلى تكرار تجربة تأييد الانتليجنسيا للمرشح الإصلاحي محمد خاتمي عام 1997، لكنَّ إيران 2009، ليست بكل تأكيد إيران 1997. وهناك من يرى أنّ «قضيّة الحريات الفكريّة والاجتماعية ليست أولويّة اليوم»، بل إن المطلوب تحقيق عدالة اجتماعية نسبية، و«وضع حدّ للفساد المالي الذي استفحل في العقود الماضية». من ناحية أخرى، يشير بعض المراقبين لنهج السلطة الحاليّة، إلى الدور السلبي الذي أدّته «جهات خارجية حوّلت التضامن مع المبدعين الإيرانيين المحسوبين على التيار المعارض، إلى تجارة سياسيّة، فإذا بهم يدفعون ثمن تلك المزايدات».
لكن ما سبق لا يمكن أن يجعل الرأي العام يقبل الحكم العبثي الذي صدر بحق سينمائي بمستوى جعفر بناهي. فإذا كان الصراع القديم بين التيارين الحداثوي والتقليدي ـــــ وهو صراع لم يحسم منذ ثورة الدستور 1906 ـــــ يتخذ من الصورة والكلمة ميداناً، فإنّ السعي إلى إقصاء أحد الطرفين عبر الأحكام القضائية لن يؤدّي إلّا إلى نتائج عكسية. ويتردد في بعض الأوساط أنّ الحكم جاء بمثابة خطوة استباقية، للحؤول دون مشاركة بناهي في لجنة تحكيم الدورة الحادية والستين من «مهرجان برلين السينمائي» التي تُعقد في 10 من شباط (فبراير) المقبل. هل فات مدير «البرليناليه» دييتر كوسليك، أنّ تسليط أضواء برلين على سينمائي إيراني يخوض مواجهة نقديّة في الداخل، سيعرّضه لشتّى أشكال الحصار؟ ما زال أمام أنصار الديموقراطيّة في الغرب الكثير ليتعلّموه عن خصوصيّة الواقع الإيراني.