الثقافة المصرية «يتيمة». نظرة واحدة إلى أحداث 2010 تثبت ذلك. حتى يمكننا أن نلخّص العام بكلمتين: إنّه «عام الغياب». لم يكن رحيل نصر حامد أبو زيد، وفاروق عبد القادر، ومحمد عفيفي مطر، ومحيي الدين اللباد، وعدلي رزق الله، وإدريس علي وآخرين أقل شهرة، وحده ما يجعلنا نشعر بلوعة الغياب. كل اسم من هذه الأسماء «أمة» في مجاله، وما يجمع بينهم أنّ الرحيل كان احتجاجاً على وطن يتمزق وأحلام تنهار. ما يجمعهم أنهم عانوا القمع والإهمال بدرجات متفاوتة. لكن لم يكن الرحيل وحده سبباً في «يُتم» الثقافة المصرية، بل أيضاً «القمع» والرقابة. هكذا، صودرت «ألف ليلة وليلة» مرة أخرى في منتصف العام، وعلت مطالبات بمصادرة «الأيام» لطه حسين، بل إنّ وزير التعليم قرر حذفها من مناهج التعليم الثانوي بعد اعتراض شيوخ الأزهر على تهكّم طه حسين عليهم. المصادرات لم تنته ولن تنتهي تقريباً. شهد العام مصادرة بالجملة لمجموعة كتّاب مصريين، فيما رفض «معرض الكويت الدولي للكتاب» مشاركتهم، تماماً كما رفض معرض الجزائر ذلك على خلفية واقعة أم درمان الكُرويّة.
ولم تكن المصادرة وحدها الأمر البارز في الثقافة المصرية، بل إنّ مسلسل الإهمال تواصل هذه السنة، حتى أصبحت الثقافة المصرية الرسمية ثقافة مهرجانات. وقمة الإهمال تجسّدت في سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» من «متحف محمد محمود خليل» في وسط القاهرة، الذي يقع بجوار «قسم شرطة الدقّي» في عز الظهيرة. فعل السرقة ليس وحده المثير للجدل، بل تصريحات رئيس قطاع الفنون التشكيلية محسن شعلان، الذي عدّ اللوحة «زبالة» لا قيمة لها مقارنةً بلوحات فان غوغ الأخرى.
أما المهزلة الأكبر، فكانت اكتشاف أنّ عدد زائري المتحف في يوم الحادث كان تسعة أفراد جميعهم من الأجانب! مما يعني أنّ عدد المتاحف ليس مدعاة للفخر، لأنها متاحف بلا زائرين تقريباً تماماً كالمكتبات التي تتكدّس فيها المؤلفات في غياب القرّاء.
وكما حدث بعد احتراق «مسرح بني سويف» منذ خمس سنوات والهلع الذي أصاب المسؤولين فأغلقوا كل المسارح، حدث الشيء نفسه بعد سرقة اللوحة بإغلاق كل المتاحف!
ولكن هل الصورة مظلمة إلى هذه الدرجة؟ ألا توجد بقعة ضوء في هذا النفق المعتم؟ ربما يكمن الأمل في القصة القصيرة التي استعادت بريقها بعدما عاد كبار الروائيين إليها. هكذا كتب إبراهيم أصلان قصته البديعة «حجرتان وصالة»، وعاد جمال الغيطاني بمجموعته «ساعات» ومحمد البساطي بـ«نوافذ صغيرة». أما صنع الله إبراهيم، فسينشر روايته الجديدة «الجليد» في بداية العام الجديد. وقد بلغت روايتان القائمة النهائية لـ «بوكر» هما «رقصة شرقية» لخالد البري، و«بروكلين هايتس» لميرال الطحاوي، وكلتاهما تتناول العلاقة بين الشرق والغرب. ولعله ما زالت هناك جيوب مقاومة تحاول صنع الجمال بطريقتها الخاصة وبإمكاناتها القليلة مثل تجربة علاء خالد في مجلة «أمكنة» أو بعض التجارب المستقلة فى النشر («ميريت»، «العين» و»الدار»)، أو المراكز الثقافية («ساقية الصاوي» و«مسرح الجنينة») وغيرها!
ورغم قلّة الإنتاجات السينمائية في 2010 (27 فيلماً)، فإنّ السينما المستقلة فرضت وجودها وازدادت حضوراً مع تجارب شباب أمثال أحمد عبد الله (ميكروفون ـــــ جائزة «التانيت الذهبي في «قرطاج») وإبراهيم البطوط (حاوي)، وطرحت مواضيع جديدة في هوليوود الشرق مثل ظاهرة التحرش الجنسي في مصر عبر فيلم محمد دياب «678»، إضافةً إلى «رسائل البحر» لداوود عبد السيد، و«كلمني شكراًَ» لخالد يوسف. وقد شبّه النقّاد ما يحصل في المشهد السينمائي الحالي بما حدث في الثمانينيات، وظهور الواقعية الجديدة مع مخرجين كبار أمثال خيري بشارة وداوود عبد السيد وعاطف الطيب.