أهم ما ميّز المشهد الثقافي التونسي هذا العام الصخب الإعلامي الذي رافق التظاهرات للتأكيد على حركة ثقافية في البلد. لكن غياب مناخ الحريات قلّص هامش الإبداع في ظلّ غياب مؤسسات موازية لوزارة الثقافة تريح الفاعلين من ضغوط التمويل. ولعلّ الفاضل الجعايبي صنع الحدث مجدداً من خلال مسرحيته الجريئة «يحيى يعيش» التي تخطّت الحدود الحمر وطرحت قضية حقوق الإنسان والديموقراطية بأسلوب مباشر.من جهة ثانية، واصل مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» تراجعه بعدما ضاعت هويته وبوصلته، ولم تستطع جهود مديرته درة بوشوشة إعادة بريقه رغم ضخامة الأموال التي خُصّصت له. أما غالبية جوائز المهرجان، فذهبت إلى السينمائيين المصريين أهمها جائزة «التانيت الذهبي» التي نالها أحمد عبد الله عن «ميكروفون». مما أثار استياء العديد من النقاد الذين اتهموا المهرجان بمحاباة السينما المصرية. وحالما أُسدل الستار عن المهرجان العريق، توفي مؤسسه الطاهر شريعة عن 83 عاماً. في الحقيقة، لم تهدأ المهرجانات السينمائية على مدار العام رغم تقلص عدد صالات العرض. هكذا، انتظمت الدورة الخامسة من «اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي»، متيحةً الفرصة لاكتشاف طاقات شبابية محلية واعدة. أما الإنتاجات السينمائية، فجاءت شحيحة كالعادة وهي «آخر ساعة» لعلي العبيدي، و«آخر ديسمبر» لمعز كمون، ووثائقي «زرزيس» لمحمد الزرن، و«كان يا مكان» لهشام بن عمار. وضع المسرح كان أفضل رغم تراجع الإقبال على العروض. هكذا، أقيمت الدورة الثالثة من تظاهرة «تونس تصنع الكوميديا»، في وقت شاهد فيه الجمهور عروض «اشطح مع القرد» لتوفيق الجبالي، و«آخر بني سراج» لحسن المؤذن، و«زواج أبيض» لحسين محنوش، و«نسمة ربيع» لجلال الدين السعدي. وفي «ليلة المسرح التونسي»، حصدت «يحيى يعيش» غالبية الجوائز رغم احتجاج الجبالي على إقصاء أعمال فرقته «التياترو» من المسابقة. وفقدت الساحة محمد الرشيد قارة أحد الرواد المؤسسين لاتحاد الممثلين المحترفين، وغيّب الموت «سندباد المسرح التونسي» صالح ميلاد.
في الموسيقى، أقيمت الدورة الأولى من «أيام قرطاج الموسيقية» التي تعرّضت لاتهامات بإقصاء أسماء مهمة. وفي الإجمال، عرف المشهد الموسيقي مشادات عدّة، وخصوصاً بين مغنّي الراب، أُطلق عليها تسمية «الكلاش» الغنائي. إذ اندلع خلاف بين محمد البلطي ولطفي العبدلي حول أغنية passe-partout. كما أثار الشاب محمد الجندوبي المعروف بـ«بسيكو إم» جدلاً بأغنيته Manipulation ذات الخطاب الديني المتطرف.
مهرجان «قرطاج» الصيفي واصل بهرجته الاحتفالية، فاستقدم الإيطالي ايروس رامازوتي وماجدة الرومي وكاظم الساهر وصباح فخري، بينما عاش مهرجان «الجاز» في مدينة طبرقة وقتاً عصيباً بسبب شحّ الإمكانات المالية، وتابع مهرجان «الحمامات» تألقه بعروض مسرحية وموسيقية نوعية.
في الفنون التشكيلية، أقامت اللجنة الثقافية المحلية في المكنين الدورة السادسة من «ملتقى الرسام الحبيب بوعبانة» تحت شعار «الرسم والميثولوجيا اليومية في تجربة الحبيب بوعبانة». أما الحياة الأدبية، فاتسمت بالرتابة بعد تدجين اتحاد الكتاب التونسيين. معرض تونس للكتاب واظب على عرض كتب الدين والمؤلفات المدرسية وما تسمح به الرقابة. وأقيمت تظاهرة «24 ساعة شعر» في مدينة سوسة، فيما عقدت مجموعة من الكتاب «ملتقى أدباء الإنترنت». وأخيراً، حصل الروائي إبراهيم الكوني على «جائزة القدس للقصة القصيرة» عن مجموعته «ما لم يقله الأصفهاني في كتاب الأغاني». أما أبرز الإصدارات، فنذكر روايتي «مملكة باردو» لعبد القادر بن الحاج نصر، و«كائنات مجنحة» لحسن نصر. كذلك شهدت الساحة وفاة الأديب والمسرحي رضوان الكوني.