لعل أهمّ سمات الحياة الثقافية لـ2010 أننا حظينا بروزنامة كاملة بعد أربع سنوات كانت محكومة بأوضاع أمنية قضمت الأجندات الثقافية الاعتيادية. بقاء السياسة في حدود السجال الكلامي هذا العام سمح بانتظام النشاطات وحضور مشاركين عرب وأجانب كانوا يلغون مواعيدهم بسبب التوترات الأمنية. في المقابل، غابت عن هذه الروزنامة المبادرات الشجاعة التي تتحول علامات فارقة كفيلة بصنع التراكم الضروري والخلاق، وبترسيخ حركة ثقافية بات تباهينا بسمعتها أشبه بالوقوف على أطلال بلد عالق بين ماضيه الذهبي وحاضره المهدَّد ومستقبله المجهول. نضع هذه الملاحظات برسم نقاش أعمق ينبغي إشراك جهات عديدة فيه، ونعود إلى ثقافة العام التي شملت قائمة متنوعة من الأحداث. أُقيمت مهرجانات الصيف في مواعيدها وأقيمت حفلة فيروز المنتظرة. واستقبل معرضا الكتاب، الفرنسي والعربي، زوارهما من دون تعكير أمني. وفي مناسبة احتفالية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، احتضنت العاصمة 39 كاتباً عربياً في مهرجان «هاي فيستفال». وانعقدت دورة جديدة من «مهرجان السينما الأوروبية»، و«أيام بيروت السينمائية»، وحازت بعض الأفلام جوائز محلية وعربية مثل «شيوعيين كنا» لماهر أبي سمرا (أفضل وثائقي عربي في مهرجان «أبو ظبي»)، و«رصاصة طائشة» لجورج هاشم (جائزة «المهر» الذهبي في «دبي»)، و«شتّي يا دني» لبهيج حجيج (جائزة أفضل إخراج في «وهران»، وأفضل فيلم روائي في «أبو ظبي»)، و«1958» لغسان سلهب، بينما قطعت الرقابة مشاهد من فيلم «هيك صار» لديغول عيد، وأجّلت عرض «أيام خضراء» للإيرانية هانا مخملباف لتزامنه مع زيارة الرئيس أحمدي نجاد. وأثار عرض فيلم «كارلوس» لأوليفييه أساياس جدلاً في سياق اختتامه «أيام بيروت».في المسرح والرقص، عادت العروض العربية والأجنبية عبر فعاليات «أشغال داخلية» و«ملتقى بيروت للرقص المعاصر» الذي تقيمه جمعية «مقامات»، وعروض مسرح الشارع من تنظيم «زيكو هاوس». واللافت أن المسارح المحلية لم تجازف ببرمجة مميزة ومستمرة على مدار السنة، فاستمر غياب العروض القوية التي احتضنها مسرحا «بيروت» و«المدينة» منتصف التسعينيات. هكذا، اكتفينا بعدد محدود من العروض المتفاوتة مثل: «مدينة المرايا» لروجيه عساف، و«قدام باب السفارة الليل كان طويل» لنضال الأشقر، و«فوتو رومانس» لربيع جابر، و«فيفا لاديفا» لنبيل الأظن، و«رحلة محتار إلى شري نغار» لجلال خوري و«كل هذا الإيماء» لفائق حميصي.
على صعيد النشر، شهد الشعر تراجعاً مقارنة بالعامين السابقين، فقرأنا: «بلا هوادة» لمحمد العبد الله، و«اليأس من الوردة» لمحمد علي شمس الدين، و«ذلك الحارس تلك الأصوات» لحمزة عبود، و«مدن الآخرين» لشوقي بزيع، ومن الأجيال التالية: «ما يفوق الوصف» لسوزان عليوان، و«الحب لا يسكن الحب» لغسان جواد، و«هناك عراك في الخارج» لسمر دياب، بينما كتب عباس بيضون أجزاء من سيرته في «مرايا فرنكنشتاين»، وكذلك عبده وازن في «قلب مفتوح». ولا ننسى القراءات الشعرية في الحانات البيروتية، وخاصة «جدل بيزنطي» التي كرّمت عشرة شعراء هذا العام. الرواية كانت أكثر استقراراً، فصدرت: «فيزيك» لحسن داوود، و«شريد المنازل» لجبور الدويهي، و«حياة قصيرة» لرينيه حايك، و«دروز بلغراد» لربيع جابر، و«حيوات أخرى» لإيمان حميدان، و«حليب التين» لسامية عيسى، و«32» لسحر مندور. فيما أثارت «دار الجمل» جدلاً كبيراً عبر ترجمة رواية الاسرائيلي عاموز عوز «قصة عن الحب والظلام». في التشكيل، شاهدنا معارض مميزة لحسين ماضي، وسمير خداج، وجان مارك نحاس وفاديا حداد، بينما أقيم معرض الخريف السنوي في موعده. وأخيراً، لا يكتمل وداع 2010 بدون الإشارة إلى نجاة عباس بيضون من حادث سير مريع، وفقدان الكاتب والمحلل النفسي عدنان حب الله.