رثائية مبطّنة لمرحلة زمنيّة كاملة، وقراءة الراهن في ضوء الماضي
علاقة بهجوري القديمة بوجوه الشارع المصري، وقوة الملاحظة التي يتمتع بها جعلا من لوحاته ـــــ عامة ـــــ أقرب إلى مساحات توثيقية لأزمنة وشخصيات وتجارب عايشها وخرج منها بالتقاطات وتفاصيل يمكنها جعل العمل الفني حافلاً بالحراك والحيوية. مرة أخرى، تسيطر أم كلثوم على أعماله. ثمة رثائية مبطّنة تعكسها اللوحات، لا لسيدة الغناء العربي وحسب، بل لمرحلة زمنية كاملة. وعلى رغم أن الفنان المصري يقدم موضوعه بنحو واضح وغير قابل للتأويل، إلا أنّه يخفي خلف هذا الوضوح لوحة مؤدلجة، تستدرج متلقّيها إلى أسئلة كثيرة. إذ إنّ الالتفات إلى الوراء هو طريقة غير مباشرة لقراءة الراهن. تبدو لوحته بلا زوائد. الصنعة تتجلى في اختزالية موحية تخلّص العمل من مكملاته الجمالية التقليدية. سيبدو معنى أم كلثوم لا شكلها. هنا، تتضخم الحنجرة، وتطول الرقبة، ويكبر المنديل، وتختلط الوجوه خلفها، من موسيقيين وآلات موسيقية، وتركيز على القصبجي بشكله الخاص يظهر ويختفي. البهجوري يجعل من حضور الآخر في اللوحة وسيلةً لخلق أبعاد بصرية ذات مستويات مختلفة.
كل ما في اللوحة يدفع تعبيرات أم كلثوم لتسيطر تماماً، محتكرةً بحضورها جيلاً كاملاً من الذين دفعوها دائماً إلى الواجهة.
أعمال جورج بهجوري تقف في منتصف المسافة بين الكاريكاتور واللوحة. طريقته الخاصة في رؤية الوجوه وإبراز مواقع القوة فيها على أنها علامة فارقة، تعطي العمل قيمة تعبيرية مضاعفة. يضع دراسة خاصة لتكوينات أم كلثوم: حركة الرأس، وتفعيل وقع الموسيقى في بنية العمل يعطيانه إيحاءً تطريبياً.
يبدو الشكل محفوراً على السطح. ثمة اشتغال على ايجاد آليات بنائية تتقاطع مع منجز عالمي تواصل معه بهجوري لسنوات عدة، وتحافظ في الوقت نفسه على موروث محلي فطري في طرق الاحتفاء بالشكل.
حازم...