زينب مرعيمفتي الجمهورية، شيخ عقل الموحّدين الدروز، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، يجلسون على كنبة واحدة. في المشهد إمكانية صورة، بالنسبة إلى من يحاول أن يبتعد عن الـ«كليشيه» والسياسة معاً.
لكن ما زال ينقصها عنصر مهمّ. فجأة يدخل النادل مع صينية شوكولاته، فتتركّز عيون رجال الدين الثلاثة عليها. هنا حتماً صورة، هي بين الأحبّ إلى قلب ماكس ميليغان في كتابه «اللبنان» أو The Lebanon.
في هذا الكتاب الفنّي الفخم، يحاول المصوِّر الإسكتلندي نقل ما اكتشفه في هذا البلد الصغير الذي لم يكن يعرف عنه شيئاً. جاء إلى بلد الأرز بطلب من صديق لبناني قديم، هو شارل شدراوي، التقاه بعد 22 سنة من الفراق. وقع شدراوي على كتابين أنجزهما ميليغان عن غانا Ghana, a portrait عام 2006، والبيرو Realm of the Incas عام 2001. فطلب شدراوي من صديقه وزميله أن يصوّر بلده لبنان بالطريقة نفسها.
فاجأته قلّة معرفة اللبنانيين ببلدهم، فكلّ منكفئ داخل
منطقته
بالنسبة إلى ميليغان، مثّل جهله للمنطقة وللوضع اللبناني نقطة قوة، هو الذي قضى حياته متنقلاً بين أميركا الجنوبية وأفريقيا، يصوّر وثائقيات عن الحياة البريّة لـ«ناشونال جيوغرافيك» و«بي. بي. سي».
هكذا، سلّط الفنان عيناً نديّة على لبنان، لا تخضع لأيّة أحكام مسبقة. يبدو ذلك جلياً من خلال الاختلاف في زاوية التصوير. هنا لا تجد صوراً لزعماء سياسيين، يقارع بعضها بعضاً في شوارع العاصمة، ولا صوراً عن الحروب اللبنانيّة الصغيرة. فهو كما يقول ليس صحافياً يبحث عن قصة، بل فنانٌ يصنع قصّته.
طرق ميليغان باب كل قرية ومنطقة لبنانية من دون استثناء. فاجأته قلّة معرفة اللبنانيين ببلدهم، فكلّ منكفئ داخل حدود منطقته.
350 صورة في الكتاب من بينها صور لـ«كابلات كهربائية» معلّقة «بأسلوب حرّ»، وقطط ضالّة، وهذان المشهدان يتكرّران في كلّ المناطق اللبنانيّة. صوّر ميليغان الفلاحين والبدو، وبيوت اللبنانيين، وحفلاتهم الكبيرة، وحياة الليل في بيروت. أمّا آثار الحروب فتظهر في الصور، لأنها مرَّت من هنا، وأصبحت جزءاً من البورتريه اللبناني.
لا يغفل ميليغان المواقع السياحية ومنها بعلبك وجبيل، لكنّه يصوّرها في ضوء وزوايا مختلفة عمّا ألفناه. يرخي الضوء الطبيعي بظلاله على كل الصورة، إذ يرفض المصوّر أن يستعمل «الفلاش». قد يضطر لأجل ذلك أن يخطف صورته أو أن ينتظرها لساعات، كما فعل ليأخذ صورة السلطعون في كتابه. لم يتتبع ميليغان حياة البشر في لبنان فقط، بل توقّف أيضاً عند ولادة سلحفاة، وبقيَ طويلاً يبحث عن ذئب ليصوّره.

يوقّع ماكس ميليغان كتابه الفوتوغرافي The Lebanon عند السادسة من مساء اليوم ـــــ جناح «مكتبة أنطوان» ـــــ «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» (بيال).