باريس ــ عثمان تزغارتفي كتابه «فرار المثقفين» («ميلفيل هاوس»، نيويورك، 2010)، يتهم المفكر اليساري الأميركي بول بيرمان، الداعية الإصلاحي الإسلامي طارق رمضان بأداء دور حصان طروادة لحساب الأصولية الإسلامية المتطرفة في أوروبا. ويضيف بيرمان أنّ طارق رمضان يخفي وراء لبوس الإصلاحي المتنوّر وجهه الحقيقي: ذئب أصولي ببذلة «دولتشي أند غابانا»!
ليس بيرمان الوحيد الذي يتهم طارق رمضان بممارسة «التقية» أو ازدواجية الخطاب. حفيد حسن البنا، الذي وُلد وتربى في سويسرا، يواجه في السنوات الأخيرة حملات إعلامية شرسة في الغرب، وخصوصاً في فرنسا. يثير هذا المفكر الفرنكفوني جدلاً متزايداً. رغم خطابه العصري والمتنور، فإنّ وسائل الإعلام وأجهزة مكافحة الإرهاب في بلد ديكارت تتخوف من تزايد شعبيته في أوساط الشبان المسلمين في أحياء الضواحي. إذ يُوزَّع سنوياً 50 ألف شريط مسجّل من خطبه ومحاضراته. ومن أسباب تزايد هذه المخاوف أنّ العديد من الشبان الذين أعادوا اكتشاف الإسلام على يد طارق رمضان، انضموا لاحقاً إلى جماعية جهادية متطرفة. نذكر مثلاً الفرنسي جمال بيغال الذي اعتُقل على رأس خلية لـ«القاعدة» كانت تُعدّ لتفجير السفارة الأميركية في باريس، وأحمد إبراهيم، أحد العقول المدبرة لتفجيرات «قطارات الموت» في إسبانيا. هذا الأخير كان يموّل طباعة أشرطة طارق رمضان وتوزيعها، عبر منشورات «التوحيد» التي تتخذ من مدينة ليون الفرنسية مقرها الرئيسي. لكن هل تلك قرينة كافية لإدانة المفكر الإشكالي؟
لا شك في أنّ الهجمة الإعلامية الغربية على طارق رمضان تتضمن الكثير من المغالاة. وهي تنطلق من خلفيات استشراقية تجد صعوبة في التصديق أن حفيد مؤسس الإخوان المسلمين، تخلّى فعلاً عن إرثه العائلي الإخواني، ليختار فكر التنوير الأوروبي منهجاً لإصلاح الإسلام وعصرنته. ولا شك في أن ما يزيد من انتقاد بعض الأوساط اليمينية الأوروبية لرمضان والتشكيك في «اعتداله»، ارتباطه منذ التسعينيات بصلات وثيقة مع الحركات اليسارية المناهضة للعولمة. إذ أصدر كتاباً مشتركاً مع ألان غريش، ويحلّ بانتظام على المؤتمرات التي يعقدها الناشط اليساري جوزيه بوفيه، كما على «المنتدى الاجتماعي الأوروبي»، و«المنتدى العالمي لمناهضي العولمة» في بورتو ألّيغري.
كلّ ذلك لا يمنع وجود العديد من «مناطق الظل» التي تشوب فعلاً فكر طارق رمضان ومساره. هذا الإصلاحي الذي يقول إنّه وريث فكر التنوير الأوروبي لا يجد الشجاعة للقول بأنّ عقوبة «رجم الزانية» و«قطع يد السارق» هي ممارسات موروثة عن عصور الظلام، ولا يمكن قبولها في مطلع الألفية الثالثة. بدلاً من ذلك، يكتفي بالدعوة إلى لمّ علماء الدين في الدول الإسلامية، لإصدار قرار بتجميد العمل بهذه الممارسات موقتاً، ريثما تُصدر فتاوى نهائية بشأنها!
من القضايا الغامضة في مسار رمضان أيضاً علاقته الملتبسة بـ«مؤسسة رمضان» التي أسّسها والده الشيخ سعيد رمضان، بعد فراره من مصر عام 1954. هذه المؤسسة تدير «المركز الثقافي الإسلامي» في جنيف. والمعروف أنّها أنشئت بتمويل من الملك فيصل بن عبد العزيز لدعم الإخوان المسلمين في مواجهة «القمع الناصري». وسرعان ما تحولت إلى واجهة دولية للإخوان، تأسس ضمنها «التنظيم العالمي» الذي يعدّ بمثابة الذراع السرية الضاربة للإخوان على الصعيد الدولي. يدير هذه «المؤسسة» حالياً هاني رمضان، شقيق طارق.

وصفه اليساري بول بيرمان بحصان طروادة في خدمة الأصولية الإسلامية في أوروبا
أما هذا الأخير فيزعم أنه قطع صلاته مبكراً بـ«الإخوان» وبـ«مؤسسة رمضان»، ليؤسس جمعية خاصة سماها «المأوى الثقافي الإسلامي في جنيف». لكن التحقيقات التي تلت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بيّنت أن هذا «المأوى» لم يتأسس سوى عام 1994، وأن طارق رمضان ظل حتى عام 2005 عضواً في مجلس إدارة «مؤسسة رمضان»، و«المركز الثقافي الإسلامي في جنيف». ما جعل عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر تدرج اسم طارق وشقيقه هاني ضمن الشخصيات المتهمة بالتورط في «المؤامرة الإرهابية» التي أفضت إلى تفجير برجي مركز التجارة العالمي. وتستند عائلات الضحايا في الدعاوى التي رفعتها أمام القضاء الأميركي إلى وثائق تُثبت أنّ «المركز الثقافي الإسلامي في جنيف» تورط سنة 1991 في تنظيم لقاء سري في مدينة بال، بين أيمن الظواهري، زعيم تنظيم «الجهاد»، والشيخ عمر عبد الرحمن زعيم «الجماعة الإسلامية» آنذاك.
كما أن التحقيقات المالية أثبتت تورط «بنك التقوى» السويسري في تمويل «نشاطات إرهابية». علماً بأن هذا المصرف يعدّ الواجهة المالية لـ«مؤسسة رمضان»، وبالتالي لـ«التنظيم العالمي» السري للإخوان المسلمين. وينفي طارق أي صلة بهذا البنك، مؤكداً أنه وجمعيته (المأوى الثقافي الإسلامي) لم يتلقيا منه «فرنكاً» واحداً. لكن أحمد هوبير، الإسلامي السويسري الذي اعتنق الإسلام على يد هاني شقيق طارق، والعضو في مجلس إدارة «بنك التقوى»، يؤكد العكس. يقول إنّ البنك اعتاد التبرع للمأوى الثقافي الإسلامي بمبالغ مالية لتمويل نشاطاته، وبالأخص في شهر رمضان!