رنا حايك
تقول الأسطورة بوجود أشباح تسكن المسرح. تتمرّد على متجاهليها، لتشعر أنها في دائرة الضوء. سامي هو ذاك الشبح الذي يسكن «دوار الشمس». يناكف الممثلين، محاولاً تخريب العرض. هذا بعض ما ينتظرنا في مسرحيّة «احتفال جنائزي للفنّ»، الكوميديا السوداء التي يوقّعها المسرحي عبده النوّار على خشبة «دوار الشمس» (الطيونة).
ليس سامي وحده من يسكن المسرح. هو يمثل أشباحاً كثيرة، تهرب منها الذاكرتان الجماعية والفردية. وراءه تتستر أسماء آلاف الشهداء أو الضحايا أو القتلى (من يقرر التسمية؟) الذين ابتلعتهم الحرب الأهلية ودفنتهم في الطيونة، المنطقة التي كانت ذات يوم خط تماس كما تردد إيفون متأمِّلة: «من قال إن الحرب خالية من الفن؟».

ثلاث ممثلات يعجزن عن الاتفاق على تاريخ بدء الحرب
ممثلات العرض الثلاث سيسهمن بدورهنّ في التخريب: بسمة بيضون تصون ذكر الله، وتدافع عن الروحانيات بشراسة. نور صابونه لا تتوقف عن استعادة الأغنيات الكلاسيكية، فهي تغني حتى «تنسى». وإيفون هاشم، يتملّكها عصاب إيصال الرسالة، والدفاع عن قضية. تجسد الممثلات الثلاث نزعات تتناتش نفساً واحدة. يتنافسن في ما بينهن، يتناكدن، يتبارين بإتقانهن اللغات الأجنبية... يعجزن عن الاتفاق على تاريخ بدء الحرب، ويختلفن حول أفضلية الرحابنة أو جاك بريل.
بعد سنوات طويلة من العمل في المسرح ممارسة وتدريساً، يتساءل عبده النوّار اليوم: «لمَ نمارس الفن؟ من أجل توصيل رسالة؟ بهذا المعنى، هل أنقذت الأغنية السياسية فلسطين؟ أم أنها للتسلية؟ وبهذا المعنى، إلى أين نمضي بفن أصبح في أكثره تجارياً؟ أم هل ننجزه لتغيير العالم؟. في عمله الذي يتضمن محاكاة ساخرة لواقع ضاعت فيه المعاني والتعريفات، يعرض المخرج كل التساؤلات التي خزّنها وعيه أمام الأحداث، ومعالجتها الإعلاميّة، وذاكرة الحرب، على شكل مشاهد غير مترابطة، مفتوحة على التأويلات. الديكور بسيط، والأكسسوارات غير موجودة، باستثناء الفيديو «الذي يخدم النص. أنا ضد موضة استخدام الوسائط المتعددة (multimedia) إذا لم تكن مبررة»، يلفت المخرج. الموت حاضر بكثافة في الاحتفال الجنائزي. حتى الأضواء خافتة في المسرح. سامي مات، استشهد، راح ضحية. «مين فرقانة معو بعد؟»، تقول الممثلة في المشهد الختامي داعيةً المتفرجين إلى المغادرة، «عالسكيت وبلا زقيف».


«احتفال جنائزي للفنّ»: حتّى 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري ـــــ «مسرح دوار الشمس» (الطيونة/ بيروت). للاستعلام: 381290/01