أربعة أيام أمضتها مراسلة otv في بلاد الرافدَين لتغطية أعمال «مؤتمر الإعلام السرياني». هكذا، عادت وفي جعبتها أربعة ريبورتاجات عن أحوال المسيحيين، والفقر والتعصّب اللذين ينتشران كالنار في الهشيم
ليال حداد
قد تكون المصادفة وحدها هي التي جعلت زيارة جوزفين ديب للعراق تتزامن مع انفجار كنيسة «سيدة النجاة» في حي الكرادة في بغداد. كان مقرّراً أن تذهب مراسلة otv إلى بلاد الرافدَين لتغطية أعمال «مؤتمر الإعلام السرياني» ثمّ تعود إلى لبنان. لكن ما حصل في «سيدة النجاة» فتح أمامها أبواباً أخرى، لتعود وفي جعبتها أربعة ريبورتاجات ميدانية، عرضت منها الشاشة البرتقالية اثنين في نشراتها الإخبارية، وبقي إثنان لم يحدّد موعد بثهما. في التقريرَين الأولَين، حاولت مراسلة otv الإضاءة على أحوال المسيحيّين في العراق، وخصوصاً في منطقة نينوى (الشمال)، فتناولت الأزمة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء بسبب تهديدات المتطرفين (تنظيم «القاعدة»). ومن نينوى، انتقلت ديب إلى عين كاوا في كردستان العراق. هنا أيضاً رصدت أحوال «الأمة السريانية» من أبناء الطائفتَين الكلدانية والآشورية.
تبثّ otv تقريرين عن الديانات البابلية القديمة وأحوال اللبنانيين في كردستان العراق
قد يبدو طبيعياً للوهلة الأولى اهتمام otv بأحوال المسيحيين في العراق، نظراً إلى خصوصية جمهورها، وتوجّهها بالدرجة الأولى إلى أبناء هذه الطائفة في لبنان. وهو ما بدا واضحاً من خلال تغطيتها لأحداث كنيسة «سيدة النجاة». إذ أوردت الخبر في عناوينها الأولى، رغم أنها غالباً ما تتغاضى عن أخبار العراق، أو تذيعها في نهاية نشرتها الإخبارية. غير أن ديب تؤكدّ أنّ اهتمامها بملف المسيحيين في بلاد الرافدَين يأتي من منطلق «الإضاءة على مختلف الحضارات، والحفاظ على تعدّد الثقافات والديانات» تقول لـ«الأخبار» منوّهةً بالمساعدة الكبيرة التي قدّمها رئيس الرابطة السريانية حبيب أفرام الذي سهّل لها مهمّتها في العراق. أما في التقريرين المقبلَين، فتفتح ديب ملف الديانات البابلية القديمة، وخصوصاً اليزيديين وأبناء طائفة الصائبة المندائيين. فيما تتناول في تقريرها الأخير موضوعاً قد يكون أقرب إلى المشاهد اللبناني، هو اللبنانيون المغتربون في كردستان الذي تصفه ديب بـ«أفريقيا الجديدة»: «ذهب اللبنانيون بأعداد كبيرة إلى كردستان التي لا تشهد الكثير من أعمال العنف، وحيث الثروات والاستثمارات الاقتصادية والسياحية». لكن هل تطرّقت إلى الموضوع السياسي وإلى سعي المنطقة للاستقلال، ووجود الموساد فيها؟ تعلن ديب أنّها قضت أربعة أيام فقط في العراق، وبالتالي كانت هذه الفترة غير كافية لتناول مختلف المشاكل في كردستان وباقي المناطق العراقية «لذلك اخترت الشقّ الاجتماعي والإنساني بعيداً عن السياسة».
ماذا رأت جوزفين ديب في العراق؟ هل حقيقة أهلها تشبه الصورة التي تنقلها إلينا وكالات الأنباء العالمية والفضائيات العربية والغربية؟ ماذا عن الطائفية وازدياد نسبة الأمية والفقر؟ لا تنفي المراسلة أن الأوضاع سيئة هناك. إذ بدأ الفقر ينتشر بين العراقيين، حتى هؤلاء الذين كانوا يعيشون في بحبوحة قبل الاجتياح الأميركي. وعكس ما قد يتصوّره بعضهم «فإن أبناء الطائفة المسيحية يدركون جيداً أنّ الاحتلال الأميركي هو الذي جلب عليهم كل الويلات. هم يؤرخون حياتهم وفق مرحلتَين: قبل السقوط (أي سقوط بغداد)، وبعد السقوط. ويعرفون أن الأميركيين هم الذين أطلقوا العنان لتنظيم «القاعدة» في العراق». كذلك تضيف أنّ الطائفية لا تقتصر فقط على السنة والشيعة، بل طالت المسيحيين الذين ازدادوا تعصّباً، وخصوصاً ضدّ الأكراد.
اليوم، عادت ديب من العراق، وقد سجّلت في ذاكرتها مجموعة من المشاهدات المشوقة والمخيفة عن مصير هذا البلد العربيّ بعد أكثر من سبع سنوات على اجتياحه.