خليل عيسىجاءت محاضرة حسن حنفي عن «أسباب فشل النهضة»، دعوة كلاسيكية مثالية إلى تغيير الواقع، عبر تغيير الأفكار والثقافة قبل كلّ شيء. في «المعهد الألماني للدراسات الشرقية» في بيروت، حيث حاضر المفكر المصري الأربعاء الماضي، سأل حنفي: «كيف نحصل على نهضة لا تكبو؟». تتوحّد عند حنفي النزعة الوطنيّة المصرية، مع نظرة أيديولوجية رومانسية إلى القومية العربية، لتصبح النهضة المصرية عنده هي «روح النهضة العربية»، وهذا خيار منهجي لم نسمع له مبرّراً. بالنسبة إليه، فشلت النهضة في الفترة العثمانية مع محمّد علي، وفي ثورة 1919 مع حزب «الوفد»، وفي عهد عبد الناصر وثورة الضباط الأحرار عام 1952. شرحُ أسباب هذا «الفشل المتكرّر»، سيتيح لنا الوصول في المستقبل «إلى نهضة لا تنتكس»، بحسب حنفي. المفكّر المصري الداعي إلى ما سمّاه «اليسار الإسلامي»، فنّد سبعة أسباب أدّت إلى فشل النهضة: حبّ السلطة، والتعلّق بالزعيم، والحكم عن طريق النخبة، والمبادرة التي يجب أن تأتي دائماً من الدولة، والتدخل الغربي الدائم «تغريباً أو عدواناً»، ومساواة النهضة «بالتنمية والتصنيع»، وأخيراً ثبات الموروث الثقافي الشعبي «منذ أكثر من 1400 سنة».
لم يوضح حنفي لمَ جاءت نظرته إلى النهضة منمّطة، حسب السردية الليبرالية التقليدية للنهضة الأوروبية، من دون الالتفات للظروف المادية التي يعيشها العالم العربي. فإذا به ينعى «أشعريتنا القابعة»، ويدعو إلى «إحياء الاعتزال القديم كاعتزال جديد»، أي كإيديولوجيا معاصرة. ما يؤلمه خصوصاً هو ثبات الثقافة الشعبية. «شرط النهضة الأساسي إمكان تغيير الثقافة الشعبية»، ويسأل: «هل يمكن الجامعات أن تقوم بذلك؟». موقفه هذا أقرب إلى موقف نخبوي للمثقف، إلى جانب احتقار الجماهير التي يدّعي المثقف عادةً العمل من أجلها. يخبرنا حنفي في المحاضرة أنّ الراحل «نصر حامد أبو زيد راح ضحية الإعلام، لأنّه خرج من الجامعة إلى الإعلام».
نهضة حنفي يجب أن تحدث ببساطة في الجامعات، لكنّها لا ينبغي أن تسمح للنخب الجامعية، بأن تتحكّم في الدولة، فالحكم عبر النخب من أسباب الفشل المبرم. لا يجوز أن ترغب النهضة الموعودة في السلطة أو في وجود زعيم لها. هذه النهضة لا تعجبها جماهيرها، بل تريد جماهير أخرى، لأنّ ثبات الموروث الشعبي من «قدرية وإيمان بالمعجزات»، يمنع الجماهير من سماع نصيحة المثقف. المثقف ـــــ النبي، خارج الزمان والمكان، تلك هي الصورة التي طالعنا بها في «المعهد الألماني». حسن حنفي، صوت صارخ في البرية؟...