رنا حايك
«يدفعنا التاريخ إلى الحلم، يثمل الشعوب (...) يحوّل الأمم إلى كيانات عنيفة ورائعة وغير محتملة وتافهة». بهذه العبارة للشاعر والفيلسوف الفرنسي بول فاليري، يبدأ وثائقي هادي زكاك «درس في التاريخ» الذي تعرضه «متروبوليس أمبير صوفيل» في بيروت، اليوم وغداً، في ذكرى عيد الاستقلال اللبناني. يدور الفيلم حول قضية شائكة: المناهج المدرسيّة في لبنان، وهي متضاربة ومختلفة ومتناقضة، وعاجزة عن صنع المواطن أو فكرة المواطنة. يتوقف زكاك تحديداً عند كتاب التاريخ الذي ليس موحّداً حتى الآن في لبنان، من خلال حضور حصة التاريخ في خمس مدارس خاصة متنوّعة طبقياً وطائفياً. على امتداد 52 دقيقة، تتنقّل الكاميرا بين غرف الصف المضاءة، وخلوة باحث يدقّق في أوراق تحمل معطيات تاريخية، على خلفية النشيد الوطني اللبناني تارة، ونشرات الأخبار المفجعة طوراً. بين مدارس «الجمهور»، و«الإمام الحسن»، و«الإيمان النموذجية»، والمدرستين الإنجيلية والألمانية، تختلف مقاربات الأساتذة، وتوجّهات الطلاب. بعض هؤلاء يرون أنفسهم فينيقيين، ويرون في سوريا العدو الأول للبنان، وبعضهم الآخر يعدّ الإمام الخميني أهم زعيم في التاريخ. وفي النهاية، كلّهم يتلون النشيد الوطني متلعثمين بكلماته، ويحتفون بشعارات الميثاق الوطني والعيش المشترك في «البلد العظيم، الكبير الكبير لبنان»، بنبرة زجلية تخفي بصعوبة مصدرها التلقيني. ونستعيد هنا أغنية شهيرة لمارسيل خليفة من كلمات بطرس روحانا: «دْرسْنا تواريخ/ حفظنا تواريخ/ إجا التاريخ طعمانا كفّ»...
«العنصر الإخراجي بالغ الأهمية في الفيلم الوثائقي، لأنه يخفّف من وطأة موضوع قد يكون جافاً ونخبوياً»، يلفت هادي زكاك الذي يرى في السينما الوثائقية «علاجاً للمخرج وللجمهور، لأنها أداة تعبيرية صادقة تعكس واقع المجتمع». لكن أليست مغامرة أن تفتح صالة عرض أبوابها لمثل هذا الفيلم؟ يوافق زكاك على أنها، بلا شك، خطوة طليعية أن تعرض صالة كـ«ميتروبوليس» فيلم «درس في التاريخ». ويتذكر بأسى ممزوج بالسخرية كيف يسأله بعضهم حين يقول إنّه مخرج أفلام وثائقيّة: «على أي من الحيوانات تشتغل في أفلامك؟».
يتناول الفيلم قضية عدم توحيد كتاب التاريخ في المدارس
اليوم وغداً، ثلاثة عروض بدءاً من السادسة - «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت). www.hadyzaccak.com