جاد نصرالله
المشهد ما زال نفسه. لم يتغيّر منذ أكثر من 20 عاماً. كان الأطفال يقرأون عن رائد فن الإيماء الفرنسي مارسيل مارسو. ولكي تفهم عقولهم الصغيرة «الفن الصامت»، دُعِيَ المسرحي اللبناني فائق حميصي (الصورة) إلى مسرح مدرستهم. أمسك كوباً افتراضياً وشرب. استند إلى حائط وهمي، وعلّمهم تقنيّة إمساك حبل غليظ. كان الأطفال يضحكون لكل إيماءة ترتسم على الوجه الأبيض، ذي الفم الأحمر الكبير.
وها هو صاحب الجسد النحيل يعود إلى الأضواء في «مسرح بيروت» («الأخبار»، 11/ 11/ 2010)، فيذهب لمشاهدته الطفل الذي كبر. لكن لشدة ما ستكون خيبته حين يكتشف أن اللعبة بقيت على حالها، كأن الزمن لم يمرّ على الإيمائي وفنّه وأدواته. ابتداءً من الغد، يستأنف حميصي ــــ مع بعض رفاقه القدامى عايدة صبرا، وزكي محفوظ، وجمال كريّم، وهاني الخطيب ــــ عروض «كلّ هذا الإيماء»، على خشبة «مسرح مونو» هذه المرّة. لكنّ المشهد القديم الآتي من الطفولة، ما زال نفسه. يدخل الوجه الأبيض، صاحب الفم الأحمر الكبير من وراء الستار، ليعيد تمثيل ما بدأ بتقديمه قبل ثلاثين عاماً، مستعيناً بتقنيات إيمائية بديهية. تلك التقنيات أدوات أساسية في فنّ الإيماء، إلا أنّها ليست كافية

السيناريو الفكاهي الذكي، أشبه بعلبة بديعة ليس فيها شيء يذكر

لإنجاح عمل فنّي من المفروض أنه قائم على الابتكار والإدهاش. السيناريو الفكاهي الذكي الذي يقوم عليه العمل، يأتي مثل علبة بديعة، إنما ليس فيها شيء يذكر.
كان مارسيل مارسو خالق Bip شخصيّته الشهيرة، قادراً على أن يروي بدقائق معدودة فكرةً عميقة وواضحة. وهذه هي الحلقة الناقصة في عرض «كلّ هذا الإيماء». فكرة العرض القائمة على رجل يستعيد أجزاء من شريط حياته قبل أن يموت، لم تكن واضحة لدى جزء كبير من الجمهور. بدا عرض «مارسو اللبناني» مثقلاً بالأكسسوارات، والضجيج. استخدم حميصي كليشيهات أضحكت الأطفال: ألبس رجلاً بديناً ثوباً لرقص الباليه (زكي محفوظ)، ووضع على المسرح شاباً يرتدي ثياب راقصة شرقية (جمال كريم)، وراح يتمايل بطواعية وسط ضحكات الجمهور... لكن هل كانت كلّ هذه التمارين المكرورة، تحتاج الى خشبة مسرح؟ كان بالإمكان مشاهدتها في تدريبات طلاب المسرح في قاعات «معهد الفنون الجميلة»... الطفل الذي كبر ما زال يبحث عن الدهشة القديمة. في انتظار العمل المقبل لفائق حميصي...


8:30 مساءً، ابتداءً من الغد وحتى 28 ت2 (نوفمبر) الجاري ـــ «مسرح مونو» (بيروت). للاستعلام: 01/202422