محمد شعير بدأ عبد الحكيم قاسم كتابة الشعر، لكنه ما لبث أن هجر القصيدة، وتوجّه إلى القصة، فـ«الحكي لذاذة ونجاة» كما يقول فى إحدى رسائله. أحدثت روايته الأولى «أيام الإنسان السبعة» صدىً كبيراً، وعدّ النقاد صاحبها «سيد كتاب الستينيات»، حسب تعبير القاص سعيد الكفراوي، أو «رائد الحداثة الأولى لجيلنا»، حسب وصف الروائي خيري شلبي. حين صدرت الرواية عام 1969، تناولت أحد الموضوعات الرئيسية التي شُغلت بها الرواية العربية حينها، أي «ثنائية الأنا والآخر»، لكنّ محاولة عبد الحكيم قاسم جاءت مختلفة عن محاولات من سبقوه. في روايته الثانية «محاولة للخروج»، صار الآخر هو الغرب... وإذا كان أبطال طه حسين، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقّي، والطيب صالح، قد ذهبوا بأنفسهم إلى هناك وعادوا ليحكوا عن تجربتهم، فإنّ قاسم قلب الآية. في روايته، تأتي إليزابيث، الفتاة السويسرية، إلى الشرق، ويبدأ التصادم بينها وبين العالم الآخر منذ اللحظة الأولى. ثنائية الشرق والغرب تكررت في العديد من أعمال قاسم. هكذا يمكن أن نقرأ روايته الفاتنة، «قدر الغرف المقبضة»، عن عالم الجدران التي سكنها أو أجبر على البقاء بينها. ندخل معه بيت الأسرة الكبير، وعالم الجدّ، وجدران السجن، وجدران بيوت برلين الباردة. مقارنات صنعت نصاً غير مسبوق في الأدب العربي. لكنّ الكاتب المصري الراحل ينفي أسطورة التناقض المطلق بين الشرق والغرب «اللذين لا يلتقيان»، وينفي في الوقت عينه «المصالحة الرومانسية» بينهما. عندما يقرر أن يسافر إلى برلين، يبدأ التصادم العملي، ويصبح في مواجهة الغرب ذاته. في ألمانيا، عمل حارساً ليلياً في قصر شارليتنبورغ في الشطر الغربي من برلين. كان يمضي وقته في الكتابة، كشكل من مقاومة الغربة.
لكنّ التحول الرئيسي جاء بسبب هذا اللقاء المباشر بالغرب، إذ لم يستطع أن يجتاز «جحيم الغرف المقبضة». حمل قدره معه، تفترسه الحجرات الخانقة، والبحث عن هويّة، وهي الموضوعات التي تناولتها كل نصوصه. راح يبحث عن الهويّة في قريته وناسها، ما جعل إدوار الخراط يصفه بـ«درويش القرية». هل يمكن أن ننسى رائعته «المهدي»، عن موضوع الفتنة الطائفية في إحدى القرى المصرية؟ أما اهتمامه بقضية الهوية، فظهر من خلال اللغة القاموسية التراثية التي ظهرت بوضوح في روايته «رجوع الشيخ». لكنّ الكتابات الأخيرة لم تعجب الكثير من النقاد، «لما فيها من تراجع إلى مواقف تراثيّة قومجيّة»، بحسب الناقد السوري بطرس الحلاق. لكنّ هذا لا يلغي، بأيّ شكل من الأشكال، إنجازاته الضخمة في مجال الرواية.