العربية كانت الأكثر حياديةً وموضوعية». تلك خلاصة تقويم وزير الإعلام المصري لأداء المحطات في الجولة الأولى من الانتخابات. أما «الجزيرة» و«بي. بي. سي العربية» و«الحرة» فلم تحفظ «درس» النظام جيداً
محمد عبد الرحمن
«الهجوم خير وسيلة للدفاع». يبدو أن «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم في مصر عرف كيف يطبّق هذه المقولة جيداً في التعاطي مع الانتخابات التشريعية. لكنّ المفاجأة كانت أن وزير الإعلام أنس الفقي اختار أيضاً تبنّي هذه الاستراتيجية للسيطرة على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، والعربية والدولية، خلال تغطيتها الانتخابات.
وإذا كان الفقي يتمتّع بسيطرة مباشرة على الإعلام الحكومي، فسيطرته بدت واضحة على الإعلام الخاص الذي فهم درس عمرو أديب وإبراهيم عيسى، فتناول الانتخابات بهدوء لا يناسب السخونة التي دارت على أرض الواقع. لكن الأزمة الحقيقية برزت في التعامل مع القنوات العربية والعالمية. ولم يكتفِ الرسميون المصريون كالعادة بانتقاد «الجزيرة»، بل وصل الدور إلى «بي بي سي العربية» و«الحرة». ولم تسلم القناتَان من هجوم الفقي ورئيس «مركز أخبار مصر» عبد اللطيف المناوي.
هكذا، اتهم المناوي «بي بي سي العربية» بالانحياز، مضيفاً أنّها تخصّص مساحة كبيرة للمرشحين المعارِضين على حساب مرشحي «الحزب الوطني». كذلك هاجم موقع الحزب الحاكم على الإنترنت «بي بي سي»، بعدما نقلت خبر اعتقال مرشح «الإخوان المسلمين» في بور سعيد أكرم الشاعر. وجاء على الموقع أن «الجماعة المحظورة بدأت بنشر الشائعات... لكن لا يصحّ أبداً أن تقع قناة مهمة مثل «بي بي سي» في هذا الخطأ». وهنا تحديداً برز تناقض عميق في التغطية الإعلامية الحكومية للأحداث التي رافقت الانتخابات. صحيح أنّه لم يثبت خبر اعتقال أكرم الشاعر، لكن نفي الحزب الوطني الخبر بسرعة قياسية جاء فقط لأنه يناسب توجهات هذا الفريق لا حفاظاً على المهنية.
معاليه راضٍ عن القنوات المصرية الخاصة «باستثناء بعض البرامج»
وفي محاولة لتأكيد التزامه بالحياد، بثّ «التلفزيون المصري» في اليوم التالي للانتخابات أخباراً عن حوادث شغب نفّذها مناصرون لمرشحين مستقلين احتجوا على فوز مرشحي الحزب الحاكم. ولكن طبعاً جاء بثّ هذه الأخبار بعد انتهاء الانتخابات، بينما كانت كلمة السرّ واضحة أثناء عملية الاقتراع: «الانتخابات نزيهة والتجاوزات غير مؤثرة» كما جاء في جريدة «المساء» الحكومية. وهو النهج نفسه الذي اعتمدته باقي الصحف المملوكة من الدولة التي لم تعلّق طبعاً على ما نشرته صحيفة «المصري اليوم» بشأن التشويش المتعمد على بث «بي بي سي العربية» خلال تغطيتها الانتخابات. ونقلت الجريدة عن مصادر مسؤولة داخل القناة أن «السلطات المصرية ضغطت على شركة «كايرو سات» التي تمدّ القناة بخدمة البث المباشر، لمنع تقديم خدماتها للمحطة. وبالفعل لجأت «بي بي سي» إلى شركة أخرى لإمدادها بالخدمة».
ولم تكن حال قناة «الحرة» الأميركية أفضل. لكنّ التعاطي معها كان غريباً، إذ هاجمها أنس الفقي شخصياً وقدّم بلاغاً ضدها إلى النائب العام. والسبب بحسب وزير الإعلام المصري أنّ الفضائية انتهكت حاجز الصمت الانتخابي الذي يبدأ قبل 24 ساعة من الانتخابات يمنع خلالها على وسائل الإعلام استضافة أيّ من المرشحين «لعدم التأثير على الناخبين». لكن «الحرة» استضافت مرشحة «الحزب الوطني» مديحة خطاب والمرشحة المعارضة جميلة إسماعيل.
وهنا تطرح أسئلة عدة عن قدرة الوزير المصري على فرض قراراته على قنوات غير مصرية، ولماذا يجب على قناة أميركية أن تلتزم بالقرار؟ وما هو شكل العقوبة المتوقعة؟ وهل كان الفقي يشير بهذه الخطوة إلى أنه لن يقبل استثناءات في جولة الإعادة، وخصوصاً من قبل القنوات المصرية الخاصة؟ ثم لماذا لم يطلب من مرشحة الحزب الحاكم عدم الظهور في البرنامج؟ ويشار إلى أنّ جريدتَي «الأهرام» و«الجمهورية» نشرتا صباح يوم الانتخابات إعلانات مدفوعة لعدد من المرشحين من دون أن توجّه إليهما أي اتهامات.
ومع انتهاء «اللعبة الديموقراطية»، قوّم الفقي أداء وسائل الإعلام، فأشاد بالقنوات المصرية الخاصة «باستثناء بعض البرامج»، وعدّ «العربية» الأكثر حيادية وموضوعية. وفيما رفض تقويم أداء «الجزيرة»، لم يتردّد في مهاجمة «الجزيرة مباشر».