«لا شيء أكثر مثالية من موسيقى الحجرة داخل متحف للفنون الجميلة في قرية لا تزال فيها أصوات صراصير الليل وشجر الصنوبر وطبيعة الحجر المميزة، تلاعب عواطف العائلة اللبنانية الخام القاطنة هناك». هكذا يصف العازف ربال ملاعب بشغف علاقته بفن والده جميل ملاعب (1948). يرى ملاعب الابن أنّ والده التشكيلي يعكس شخصيته في أعماله التي تكشف عن فنان لبناني عاشق للبيئة وحافظ للذاكرة القومية اللبنانية.
اليوم، يفتتح «متحف جميل ملاعب» في مسقط رأسه في بيصور (عاليه) على موسيقى تنقلنا إلى العصر الرومنطيقي (1800ــ 1900) في بناءٍ حديث صمم خصيصاً لموسيقى الحجرة بحميميته وهندسته للفضاء الصوتي. يصف لنا العازف التكامل الذي يجمع بين موسيقاه، وفن والده الذي يتعاطى بدوره مع الموسيقى «كانتقام لحلم أبيه الذي كان عازف كلارينت قبل وفاته».
تكونت فكرة الفنان التشكيلي بعدما وجد أعمال أصدقائه وزملائه مبعثرة وضائعة عقب انقضاء الحرب الأهلية اللبنانية، فشعر بالمسؤولية إزاء حفظ أعماله وجعلها قريبة من المهتمين ومتذوقي الفنون، مستوحياً الفكرة من متحفي سرسق والأونيسكو. أما فكرة إقامة أمسية موسيقية في بيت قروي، فيمارسها العديد من الموسيقيين في أوروبا. هناك، يعيشون في بيتٍ واحد، ليتعرفوا إلى ثقافات وتقاليد جديدة بعيداً عن المدن التي باتت متشابهة في مختلف أنحاء العالم. هكذا، دعا ملاعب الابن، الذي تابع دراسة الفيولا في «جامعة فيينا للموسيقى»، سبعة من زملائه الموسيقيين الذين أتوا من مدن مختلفة كحالات، وعبيه، وجبيل وباريس إلى قريته بيصور، والإقامة في بيته. بذلك، أسّس «مهرجان ملاعب لموسيقى الحجرة والفنون الجميلة».

يضم المتحف أعمال الفنان إلى جانب آخرين أمثال جورج قرم
يقول: «مهرجاننا أسس ليستقدم موسيقيين من مختلف أنحاء العالم للاحتفال بالجمال في قلب جبل لبنان». في الحديث عن برنامج الأمسية الذي يحوي ثلاث مقطوعات وترية، ستبدأ المجموعة المؤلفة من ثمانية عازفين بحركة رباعية واحدة للمؤلف النمساوي فرانز شوبرت (1797-1828) الذي ألف بين الحقبتين الكلاسيكية والرومنطيقية. وتعتبر هذه الحركة من المرحلة الـ»ناضجة» لأعمال المؤلف رغم أنه لم يكملها في ثلاث حركات لأسباب غير معروفة. بعدها نسمع للمؤلف الروسي الثائر ديمتري شوستاكوفيتش (1906-1975) رباعية وترية، حيث يحاول إعطاء هوية روسية لقالب الرباعية، الذي كان يقتصر على التأليف الأوروبي، بخاصة الألماني، فيما تسيطر مشاعر الشجن على هذه المقطوعة المؤلفة من ثلاث حركات، كونه ألفها بعد وفاة زوجته آنذاك. تختتم المجموعة أمسيتها بإدخالنا في أوج الحقبة الرومانسية عبر سداسية وترية (Souvenir De Florence) كتبها المؤلف الروسي بيوتر إليتش تشايكوفسكي (1840-1893) الذي استلهم فكرة المقطوعة أثناء زيارته لمدينة فلورنسا في إيطاليا. رغم حصرية عرض أعمال جميل ملاعب من رسم ونحت وموزاييك خلال الإفتتاح، إلا أن المتحف يضم أكثر من 40 عملاً لفنانين لبنانيين أمثال جورج قرم (1852-1930)، وخليل صليبي (1870-1928)، وعارف الريس (1928-2005) وبول غيراغوسيان (1926-1993)...

يفتتح معرض جميل ملاعب عند السادسة من مساء اليوم، لترافقنا الموسيقى في ليلتين متتاليتين (٢٩ و٣٠ آب/أغسطس) مع تانيا سونس، وماريو راعي وإيهاب جمال على الكمان، ربال ملاعب وفانسا بالداتشي على الفيولا، ورفاييل جوان، وساري خليفة وجنا سمعان على التشيلو. يسبق الحفلة مساء الثلاثين عرض مسرحي تجريبي لبيتر ستيكلاند.
افتتاح متحف جميل ملاعب: 18:00 مساء اليوم ــ بيصور (عاليه)