«اتحاد الكتاب العرب» صار بيت أشباح؟


الخميس المقبل، يخوض أعضاء الإتحاد انتخابات مثقلة بميراث علي عقلة عرسان، وحسين جمعة. فهل ينهض هذا الإتحاد من سباته، بعدما تحول إلى قلعة للتخوين والتدجين؟

دمشق ـ خليل صويلح
يستعدّ أعضاء «اتحاد الكتاب العرب» في دمشق لدورة انتخابية جديدة، قد تكون مفصليّة في تاريخه. ذلك أن الاحتجاجات على ما آل إليه الاتحاد، بلغت حدها الأقصى. إزاحة علي عقلة عرسان عن رئاسة الاتحاد قبل خمس سنوات، لم تخفف من وطأة ميراثه الثقيل. في عهده الفولاذي، تمّ فصل أدونيس، وحنا مينه، وسعدالله ونوس، وهاني الراهب وآخرين، كما أغلق مطعم «الشرفة» الذي كان نادياً للكتاب وافتتح «مصلى» بدلاً منه... ليتحوّل مبنى الإتحاد في أوتوستراد المزة إلى قلعة للتخوين، والإقصاء، وتدجين الكتاب، في خطاب تعبوي وإسلاموي قومجي رنان.
أتى بعده كاتب مجهول هو حسين جمعة. لكن أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة دمشق، كما تبيّن لاحقاً، حوّل الاتحاد إلى مكان طللي، أشبه ببيت الأشباح. حتى إننا نسينا وجوده لفرط تغيّبه عن المشهد الثقافي السوري. بعد تصريحه المشهور «القافلة تسير والكلاب تنبح»، في معرض رده على منتقدي سياسته، صمت الرجل تماماً، لينكبّ على كتابة افتتاحيات إنشائية بالجملة، لدوريات اتحاد الكتاب التي لا يقرؤها أحد. لكن ماذا يفعل جمعة بأطنان الكتب التي ترقد في المستودعات؟ لقد باعها بالكيلو، وإذا بمئات العناوين تنتهي إلى معمل الورق في دير الزور! بعض الخبثاء علَّق على الحادثة، بأن هذه الكتب ذهبت إلى مكانها الطبيعي، فهي لا تقول شيئاً، في ظل رقابة متشددة، يمارسها الاتحاد، بوصفه المرجع الرقابي الوحيد للإبداع الأدبي في سوريا. من فضائل حسين جمعة في هذا السياق، أنه أضاف ضريبة 1000ليرة سورية (20 دولار تقريباً) على كل مخطوط يراقبه الإتحاد.
نقرأ دليل أعضاء «اتحاد الكتاب العرب» الذي يشبه دليل الهاتف في ضخامته، فنصاب بالدهشة. إذ يصل عدد الأعضاء إلى نحو ألف عضو، أغلبهم ضباط شرطة متقاعدون، ورؤساء تحرير صحف سابقون، وشعراء مدّاحون، وربات منازل يكتبن الشعر العاطفي، فيما تغيب عن القائمة أسماء مرموقة مثل فواز حداد، ومنذر مصري، وعادل محمود، وخالد خليفة، وسمر يزبك، وحتى الروائي الراحل عبد السلام العجيلي. يشترط الاتحاد لقبول عضوية الكاتب أن يكون لديه كتابان، على أن يتجاوز الكتاب الواحد مئة صفحة. النوعية والانجاز ليسا مطلوبين هنا، وتالياً فقد اقتحم هذا المبنى مئات الكتاب المجهولين، خصوصاً بعد تأسيس فروع للاتحاد في المحافظات، لينتسب إليها ما هبّ ودب، بمن فيهم كتّاب العرائض. من البنود اللاحقة التي تم إضافتها على شروط الانتساب، وضع الكاتب سنتين تحت الاختبار، باسم «مرشح» جرياً على تقاليد الأحزاب.

بيع الكتب بالكيلو وتجاهل لمحنة حرية التعبير
آخر الفتاوى التي أطلقها حسين جمعة، تخوين أي روائي سوري يشارك في مسابقة «بوكر» العربية، و«جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية» باعتبارهما جائزتين صهيونيتين، و«عمل تخريبي للثقافة العربية». كنا نعتقد أن «اتحاد الكتاب العرب» بصدد تأسيس «لجنة للحريات»، فإذا به يتجاهل الدفاع عن أي كاتب سوري تعرّض لمحنة ما في باب حرية الرأي. هكذا تجاهل حملة التكفير التي لحقت بممدوح عزّام بعد صدور روايته «قصر المطر»، وتجاهل اعتقال المفكر ميشيل كيلو، وطالب بمنع إصدار «كتاب في جريدة» الذي تصدره صحيفة «تشرين»، لـ «شبهات» تتعلق بمديره الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير.
لا يعبأ الاتحاد بحقوق الملكية الفكرية، إذ يقوم بنشر كتاب شهري بطبعة شعبية، من دون أن يلجأ إلى صاحب الكتاب، فيما تذهب الحقوق إلى من يكتب مقدمته، وهو بالضرورة رئيس الإتحاد، أو أحد أعضاء مكتبه التنفيذي. هكذا ذهبت حقوق أدباء مثل إدوارد سعيد، وجبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وعلي الجندي، وسميح القاسم، وآخرين. بالطبع لن نتوقف عند غياب قانون تفرغ للكتّاب، أو إطلاق جائزة أدبية كبرى، أو إعادة النظر في قانون الرقابة... فهذه الأمنيات غير واردة في أجندة الاتحاد.
في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، نحن على موعد انتخابي جديد، قد يكون مفصلياً في توجهات هذه المنظمة النقابية، نظراً إلى ثقل الفاتورة التي راكمها عهد حسين جمعة الحافل بالممارسات الثأرية، والارتباك الإداري. هل يستيقظ أعضاء الاتحاد من سباتهم، ويعيدون الألق إلى هذه المنظمة، أم سنعيش خمس سنوات عجاف أخرى؟