فيلم صوفيا كوبولا في افتتاح الدورة العاشرة يزن الأشقر
بعد التتويج الذي حظيت به في «مهرجان البندقية السينمائي» (فينيسيا) بصفتها أفضل مخرجة عن فيلمها «في مكان ما» الذي يفتتح اليوم الدورة العاشرة من «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» في «قصر الأونيسكو»، ها هي السينمائية الأميركية الشابة صوفيا كوبولا (1971) تعود اسماً بارزاً عالمياً في مجال الإخراج. هذه الحفاوة تأتي بعد الجدل الذي رافق فيلمها قبل الأخير «ماري أنطوانيت» الذي انقسم حوله النقاد. مع ذلك، فقد اتفقوا جميعاً على صورتها السينمائية الجذابة، وإن لم تكن صاحبة تجربة نسوية راديكالية ذات تعبيرات راديكاليّة، مثل شانتال أكيرمان أو جين كامبيون، أو الفرنسيتين كاثرين بريلاّ وأنييس فاردا، أو حتى سميرة مخملباف. أي أنّ محاولة إدراج سينما صوفيا ضمن تجربة إخراجية نسوية مؤثرة، أمر مبالغ فيه، خصوصاً عند الأخذ في الحسبان غياب الأيديولوجيا في أعمالها، وإن كان شريطها «ضائع في الترجمة»، يتناول القلق الوجودي في القرن الحادي والعشرين.
صعود اسم صوفيا كوبولا في الساحة الأميركية لم يأت مصادفةً. هي ابنة المعلّم فرانسيس فورد كوبولا. لكنّها في بداية مسيرتها لم تبد اهتماماً بالإخراج، بل بدأت بتمثيل بعض الأدوار الصغيرة، أولها ظهورها طفلةً في الجزء الأول من ثلاثية العراب (1971)، وفي أفلام أخرى من توقيع والدها أيضاً. لكن الدور الأهم والأكثر تأثيراً جاء في الجزء الثالث من العرّاب (1990)، إذ كانت هذه المشاركة خاتمة مسيرتها التمثيلية القصيرة بعد حصولها على جائزة أسوأ ممثلة صاعدةتركت صوفيا التمثيل لتتجه إلى كتابة باكورتها السينمائية بعنوان «إلعق النجمة» (1998) وإخراجها. وهو فيلم قصير من 14 دقيقة مقتبس عن رواية شعبية للمراهقات بعنوان «زهور في العلية» لفيرجينيا آندوز، صوّر باستخدام كاميرا 16 ملم بالأبيض والأسود. تناول الشريط قصة أربع فتيات يحاولن تسميم فتيان بالزرنيخ. برز في هذا العمل أسلوب كوبولا الذي ستتخذه طريقاً لباقي أفلامها، بدءاً من طبيعة صورة «الحلم الجميل» إلى اللقطات الطويلة وتركيزها على الجسد الأنثوي. ثم جاء فيلمها الروائي الأول «انتحار العذارى» (1999) المقتبس عن رواية بالاسم ذاته للأميركي جيفري يوجينيدس. يحكي الشريط قصة انتحار خمس فتيات من إحدى عائلات الطبقة الوسطى المتدينة في ميتشيغان في السبعينات. الفيلم الذي نال استحسان النقاد أبرز اسم صوفيا نجمةً جديدةً في عالم الإخراج، بتناوله مواضيع البلوغ والكبت الذي تتعرض له الأنوثة في بيئة مغلقة.
وفي عام 2003، ظهر فيلمها الثالث «ضائع في الترجمة» ليؤكد أهميتها سينمائيةً أميركيةً جديدة، إذ حصد إعجاباً نقدياً كبيراً وفاز بسبعين جائزة، إضافة إلى 59 ترشيحاً. الفيلم دراما جادة بلمسة كوميديا خفيفة تدور أحداثها في طوكيو، عن علاقة تجمع ممثلاً مشهوراً (بيل موراي) كهلاً وكئيباً من علاقته الزوجية المملة، ومتخرجة شابة متزوجة حديثاً من رجل مشغول (سكارليت جوهانسون)، غير واثقة من طريقها في الحياة. روحان ضائعتان في مدينة ذات أوجه متعددة. حمل الفيلم طابعاً وجودياً عبر تناوله الوحدة والقلق والغربة. فرصة التقاء الشخصيتين في الفندق ذاته توفر لهما فسحة روحية يبحث كلاهما عن ذاته في الآخر. بلغ أسلوب كوبولا الإخراجي أوجه بتقديمها هذه المحاولة في فهم العلاقة بين الإنسان والمكان. تظهر طوكيو ساحرة، واستخدامها اللون الأزرق والموسيقى المنتقاة، منح صورتها السينمائية جمالاً حلمياً وفرض عليها نوعاً من الهدوء المريح، في خضم ضياع الفهم والمعنى الذي تعانيه شخصيتا الفيلم.
لكن عملها الرابع «ماري أنطوانيت» (2006)، وهو بيوغرافيا عن الملكة الشهيرة منذ زواجها من لويس السادس عشر حتى نهاية حكمها، أحدث اختلافاً نقدياً بل استهجان الجمهور. ورغم إجماع النقّاد على جودة الصورة والإخراج الفني للديكور والأزياء، فإنّ تجنب كوبولا طرح الموضوع سياسياً أثار الاستياء، إذ ارتأت

الفيلم مستوحىً من سيرتها مع والدها فرانسيس فورد كوبولا

تصويرها طفلةً بريئةً وساذجة في جو سينمائي يمزج بين القدم والحداثة. هذا الابتعاد عن التناول الجاد لشخصية تاريخية مهمة وما رافق حكمها من أحداث، أثار استياء الجمهور الفرنسي.
لكنّ فيلمها الأخير «في مكان ما» (2010)، أعاد اسم صوفيا إلى التداول، مترافقاً مع الجدل مرة أخرى وانقسام النقاد، بنيله جائزة «الأسد الذهبي» في الدورة الأخيرة من «مهرجان البندقية السينمائي». وقد اتُّهم السينمائي الأميركي كوينتين تارانتينو الذي كان رئيس لجنة التحكيم في الدورة، بالتحيز لعشيقته السابقة كوبولا، رغم رده بأنّ منح الجائزة حصل بالإجماع. الفيلم الذي تجري أحداثه في لوس أنجليس يلقي نظرة على حياة ممثل هوليوودي (ستيفن دورف) في دوامة من التخبط والملل، الى أن تظهر فجأة ابنته ذات الـ11 عاماً (إيل فانينغ) للمكوث معه. تستمد كوبولا أحداث الفيلم من طفولتها مع أبيها فرانسيس، كما ذكرت في احدى المقابلات، وكانت قد شكرته على تعليمها في خطاب تسلمها الجائزة.
ورغم رؤية كوبولا الإخراجية من جمالية الصورة وبساطتها وارتباط الشخصيات بالمكان، فإن الشريط اتهم بالسطحية من بعضهم وبقلة الجودة الروائية. ورغم استمرار الجدل مرافقاً لها، فإن اسم صوفيا كوبولا يبقى مهماً سينمائياً. المخرجة التي كانت ثالث امرأة (وأول أميركية) تترشّح لأوسكار أفضل إخراج، ورابع امرأة تفوز بـ«الأسد الذهبي»، باتت من رموز سينما المؤلف، وتتمتع بحس جمالي للصورة، وبتمسكها بثيمتها الرئيسية، وهي شخصياتها التائهة في دوامة الحياة، عاكسة بذلك روح الشباب القلق.


السابعة مساء اليوم في «قصر الأونيسكو» ومن 6 حتى 13 تشرين الأول (أكتوبر) – «متروبوليس أمبير صوفيل»، و«بلانيت أبراج» ــ للاستعلام: 01/202411 – 70/141834
.«عن العدوان المستمر في شارع معوّض»