إنّه من أبرز الكتاب الأحياء في أميركا اللاتينيّة، وربّما في العالم. يأتيه تكريس الأكاديميّة السويديّة بعد طول انتظار، مكافأة على «تصويره المرهف لمقاومة الفرد وتمرّده وفشله». صاحب «حفلة التيس» البيروفي/ الإسباني ربح أخيراً في الأدب ما خسره في السياسة

زياد عبد الله
لكمة قوية ورَّمت عين غابريل غارسيا ماركيز اليسرى عام 1976. وُثِّقت اللكمة في صورة لم تنشر إلا قبل ثلاث سنوات. كان اسم الجاني يومها ماريو بارغاس يوسا (1936)، وها هو الآن مطلوب لتسلّم جائزة «نوبل للآداب 2010»، كما فعل المجني عليه وصديقه اللدود ماركيز قبل 28 عاماً. لا أحد يعرف سبب الخلاف الشهير بين الأديبين، لكنّ مرثيدس زوجة ماركيز قالت حينها: «ماريو غيور أحمق».
الغيرة لم تعد واردة. فقد قررت الأكاديمية السويديّة منح جائزتها (مليون ونصف مليون دولار) لبارغاس يوسا. خيار جاء يحتفي بأعماله التي «ترسم خريطة لهيكليات السلطة»، ويتوّج «تصويره المرهف لمقاومة الفرد وتمرده وفشله». فوزه بالجائزة لم يكن متوقعاً، لكنّه لم يأتِ مفاجئاً، خصوصاً أنه بقي لسنوات عضواً ثابتاً في نادي المرشحين الدائمين لـ«نوبل»، بوصفه واحداً من أبرز الأسماء التي نهضت بالرواية اللاتينية. كأنّ توصيف اللجنة المقتضب لبارغاس يوسا، يلخّص مجمل حياة هذا الروائي البيروفي وأعماله. فقد كرّس مسيرته للحفر في شتى أنواع السلطات، حدّ انغماسه بها، حين رشح نفسه للانتخابات الرئاسية في البيرو عام 1990، وخرج منها مهزوماً.
في «الفردوس على الناصية الأخرى» يكتب بارغاس يوسا عن التشكيلي الفرنسي بول غوغان: «كان يريد من الفن أن يكون فاعلاً، ويحافظ على الحلم الامبراطوري». هو نفسه أراد أن يكون فاعلاً في أكثر من مجال. لكنّ عملية الخلق الأدبي صهرت كل طموحاته، فجعلها حلماً أمبراطورياً مصوغاً بالاتكاء على شخصياته. رصد «تحول الإنسان إلى وحش» في «حفلة التيس»، فكتب عن ذاك الديكتاتور الذي يرغب في مضاجعة ابنة رئيس وزرائه ذات الأربعة عشر عاماً. بنى كلّ ذلك على شخصية رافائيل لونيداس تروخيليو حاكم جمهورية الدومينيكان سابقاً. بالنسبة إلى بارغاس يوسا فإنّ «الفكرة عن المجتمع المثالي، ولدت لدى وحوش من أمثال طالبان»، على حد تعبيره. «عندما تريد جنة، فإنّك تنتج في البداية مثالية استثنائية، لكن في الوقت نفسه، تنتج جحيماً».

تبقى ناقصة كل محاولات القبض على خيط ناظم لأعمال هذا الكاتب الذي تأثر بفوكنر وفلوبير

صورة الديكتاتورية في «حفلة التيس» جاءت كما لو أنّها استكمال لباكورته الروائية «مدينة الكلاب» (1963). في هذا العمل الذي أطلق شهرته، رصد المؤسسة العسكريّة، من خلال تجربته الخاصة في «أكاديمية لينشيو برادو». أثار الكتاب سخط كثيرين في بلاده، فاتهم بالعمالة للأكوادور، وأحرقت نسخ كثيرة منه في إحدى الساحات العامة. لكنّ ذلك لم يثنه عن تعقب ملامح السلطات القمعية الأخرى. كتب عن استعمار الجسد وانتهاكه، كما في أشهر أعماله «البيت الأخضر» (1966) حيث يتشابك السرد بين الماضي والحاضر على هدى فوكنر، المؤثر الأكبر في بارغاس يوسا. وفي «حوار في الكاتدرائية» (1969) سيقارب الديكتاتور البيروفي مانويل أودريا من خلال شخصيتي ابن وزير من وزرائه وسائقه.
الجسد كلمة مفتاح في أعمال بارغاس يوسا. سيقدسه، ويطليه بكلّ ما يجعله لامعاً متّقداً، سيحتفي به، وبشهواته، ومواعيده، كما في «امتداح الخالة». كما سيطلع علينا بشخصيات تكون اختزالاً للإيروتيكية، مثل أيغون شلي، في «دفاتر دون ريغوبيرتو»، ذاك الرسام المهووس، يصورّ الجسد في أقصى تجلياته، كمادة حسية واستمنائية. تبدو كل المحاولات للقبض على خيط ناظم لأعمال بارغاس يوسا ناقصةً. سيتسرب إلى الرواية التاريخية كما فعل في «حرب نهاية العالم» (1981)، وستأتي روايته «شيطنات الطفلة الخبيثة» (2006) استجابة لحنينه المُلِحّ إلى غوستاف فلوبير الذي علّمه «المواظبة».