سعيد خطيبيتحاول ربيعة جلطي (الصورة ــ 1964) في باكورتها الروائيّة، الإحاطة بتناقضات الحياة اليوميّة في الجزائر... فضح مظاهر التخلف، وفشل تجسيد مشروع المجتمع المدني، واتساع سلطة القهر والكراهيّة، تواصل منطق الحدّ من قيمة المرأة، كل هذه المعضلات تشكل خلفية لرواية «الذروة» (دار الآداب – 2010). الشاعرة الجزائرية، والأستاذة في جامعة وهران، تحمل في رصيدها ثماني مجموعات شعرية، صدرت الأخيرة «بحار ليست تنام» عام 2008. في «الذروة»، تستعين جلطي بأكثر من نفس سردي. ترفض النمطية الخطية، وتميل أكثر إلى المونولوج، والفلاش باك، والكتابة الشعرية. تلعب هنا على وتري الترميز والإسقاطات السياسية الجليّة في بعض مقاطع الرواية. كما توظف الكثير من المعارف التاريخية والسوسيولوجية والموسيقيّة والنفسيّة لرسم ملامح الشخصيات وتطوير مساراتها المتحوّلة. «يتغيّرون... يتغيّرون جذرياً فلا نعود نعرفهم»، تكتب.
ترسم صاحبة «حجر حائر» هنا بورتريهات ثلاث شخصيات نسائية، من الغرب الجزائري، تجمع بينهن رغبة النجاح وإثبات الذّات، وتفرقهن الغيرة وساديّة الانتقام. أندلس، فنانة تشكيلية من عائلة أرستقراطية، تقع في حبّ مناضل نقابي اختفى لأسباب مجهولة

تبتعد عن النمطية الخطية، وتلعب على وتري الترميز والإسقاطات السياسية


في موسكو. زميلتها من مقاعد الدراسة، الياقوت، تسعى إلى فرض نفسها من خلال تبني خطاب الدّفاع عن القضايا النسوية، لكنّها ما تلبث أن تناقض الشعارات التي تتغنى بها، لتتمتع بحظوة كبيرة عند الحاكم، تجعلها الحاجبة الأولى، و«صاحبة الصفّارة». على الحدود نفسها بين الفانتازيا والواقع، تستوقفنا سعدية، وهي امرأة ساذجة، تخصصت في الطب، وحققت أمنية أمها في افتتاح عيادة. لكنها سريعاً ما تصطدم بالحقيقة الاجتماعية التعيسة في جزائر يؤمن أهلها بالسحر والشعوذة...تدور أقدار النساء الثلاث حول أهواء الحاكم، صاحب الغلالة، زير نساء العاجز جنسياً. يفشل هذا الحاكم في استعادة نشاطه الجنسي، رغم مضاجعته الكثير من نساء البلد اللواتي لا يبلغن سريره دونما الحصول على «بركة» الياقوت، ومن بينهنّ سعديّة.
في الرواية المثقلة بالرموز، ينتهي الحاكم عجوزاً مخلوعاً، يُستبدل بآخر «مخنث مكحل العينين». فيما تسرح الياقوت في الشارع حاملةً صفارتها. استعارة لواقع ينتهي كلّ شيء فيه إلى الموت والجنون والخراب.