حسين بن حمزة
لا يُنجز التجريد بمعزل عن الواقع في تجربة سامية حلبي (1936). هناك مشهد، مرئي أو مدفون، في لوحات الفنانة الفلسطينية التي تكرِّمها غاليري «أيام» بمعرض يضم دزينة من آخر أعمالها، ومونوغراف ضخم وباذخ بعنوان «سامية حلبي/ خمسون عاماً من الرسم والإبداع» يضم كرونولوجيا لتجربتها الرائدة داخل التجريد العربي والعالمي. الرسم هو ترجمة بصرية بنبرات مختلفة (تصوير، حفر، غرافيك ديزاين...) لرحلة هذه الرسامة المقدسية التي هجّرتها النكبة إلى لبنان، ثم إلى الولايات المتحدة، حيث درست الفن ودرّسته في جامعات عديدة. أقامت حلبي معرضها الأول في القاهرة سنة 1971. ثم تتالت معارضها في عواصم مختلفة. في الأثناء، لم تكفّ فلسطين عن الحضور في أعمالها. لعل من حسنات التجريد أنه جعل قضية كبرى مثل فلسطين غير مباشرة. دسّت حلبي هويتها في لوحاتها من دون أن يتحول ذلك إلى خطابة مبتذلة. أنجزت أعمالاً توثيقية عن مجازر كفر قاسم ودير ياسين، ونظمت

أعمال عن مجازر كفر قاسم ودير ياسين، ومعرض «صنع في فلسطين» في متحف أميركي

معرضاً بعنوان «صنع في فلسطين» في أحد أهم المتاحف الأميركية. نضالها المطلبي تجاور بسلاسة مع انحيازها التجريدي الذي أوصلها إلى الرسم الكومبيوتري. لم تتعارض حداثتها مع سعيها إلى إبراز التراجيديا الفلسطينية في أفضل استعاراتها. هكذا، أدارت حلبي ظهرها للترميزات الكبيرة، وذهبت إلى التفاصيل. استوقفتها تضاريس جبال رام الله. استثمرت زخارف قبة الصخرة. رسمت عوسجات، وأوراق زيتون، على خلفية ترابية موشّاة ببقع الدم. ما نراه هو حصيلة خبرة ذاتية متحصلة من الطبيعة المفتوحة والحياة المدينية. اللوحات ليست ترجمة لهذه الخبرة. التجريد هو تحويل الأصل الملموس إلى تجريد يذكّر بالأصل ويمحوه باستمرار. هناك احتفاء بالطبيعة في لوحات: «ينمو بجموح»، و«عليق أبيض»، و«توليب»، و«صبار الليل»، حيث نرى تفجّرات قوس قزحية متتالية. بالمقابل، هناك لوحات تُحَوَّل فيها المشاهدات المدينية إلى تجريدات هندسية وفراغية، حيث يدور صراع بصري بين مشحات شاقولية ومائلة ومتكسرة. التجريد مقاومة أيضاً، تقول لنا سامية حلبي، ونصدّقها.


حتى 27 الجاري – «غاليري أيام» (السان جورج). للاستعلام: 01/374450