موعدان حول المثليّة الجنسيّة، خلال سهرة تلفزيونيّة واحدة: وثائقي «مثلي مثلك» الذي يستكمل الليلة، وحلقة «الجريمة المثليّة» التي انزلق فيها زافين إلى مطبّ الأبلسة والتهويل
بيار أبي صعب
من غريب المصادفات أن يتقاطع في ليلة واحدة موعدان تلفزيونيان على طرفي نقيض في التعاطي مع المثليّة الجنسيّة. مساء الاثنين الماضي، كان المشاهدون على موعد مع «سهرة مثليّة طويلة» إذا جاز التعبير. من جهة، أولى حلقات رياض قبيسي الوثائقيّة ضمن سلسلة «تحت طائلة المسؤولية» على شاشة «الجديد» بعنوان «مثلي مثلك»، ويعرض جزؤها الثاني والأخير الليلة على المحطّة المذكورة. ومن جهة أخرى، توك شو «سيرة وانفتحت» الذي فتح فيه زافين قيومجيان، على شاشة «المستقبل»، ملفّ... «الجريمة المثلية».
هذا النقاش الاجتماعي والقانوني والعلمي والسياسي الذي يدور حول عشرة في المئة من الراشدين في أي مجتمع، كما ذكّر مسؤول جمعيّة «حلم» جورج قزّي في فيلم رياض قبيسي، كيف يطرحه الإعلام المرئي في بيروت ٢٠١٠؟
يتقدّم رياض قبيسي بحذر في معالجة موضوعه، آخذاً في الاعتبار، رغم أسلوبه الحيوي والصدامي أحياناً، الحساسيّات المختلفة للجمهور. يبدو حريصاً على المعالجة المهنيّة والعقلانيّة، الهادئة والمتوازنة. لكنّه لا يترك لأي مغالطة أو تعميم، أو حكم مهزوز، أو مصادرة معياريّة على الحقيقة، أن تبقى من دون دحض أو تشكيك. سمعنا آراء دينيّة معتدلة ومتسامحة، وآراء علميّة أو محسوبة على العلم، إضافة إلى شهادات المعنيين. وإذا كان الشيخ محمد كنعان والأب يوسف مونّس، رغم موقفيهما المتنوّرين، مصرّين على اعتبار المثليّة الجنسيّة «انحرافاً» و«مرضاً»، فالمفاجئ أن تطالعنا «محلّلة نفسيّة» هي عبلة البساط بمثل هذه النظريّة. لا ينبغي الخلط بين العلم والأخلاق ردّت زميلتها مهى ربّاط المنخرطة ميدانيّاً في مشروع رفع الأبلسة عن المثليات والمثليين في لبنان.

كيف يتعاطى الإعلام المرئي مع «المثليّة» في بيروت ٢٠١٠؟

أما زافين، للأسف، فوقع في فخّ الأبلسة، رابطاً بين المثليّة الجنسيّة والجريمة، عفواً: بين «الشذوذ» والجريمة! بل إنّه بدا مصرّاً على هذا الربط في إدارته دفّة الحوار، محاولاً استدراج الدكتورين سامي قواص وأنطوان سعد إلى تلك التعميمات البليدة والمشبوهة. لقد استغلّ الصورة السلبيّة الكامنة في اللاوعي الجماعي، وما يشوبها من خرافات وأحكام مسبقة. اسمعوا هذا المنطق الاختزالي: المثلي بطبيعته «شاذ»، وعقله ليس عقلاً طبيعيّاً، وخصوصاً أنّه يجمع في جسد واحد «هستيريا» المرأة و«عنفوان» الرجل (الحديث كان غالباً عن المثليين الرجال!). أي إنّه مهيّأ حكماً للجنوح نحو الجريمة والعنف والتفظيع في القتل... و«الانتحار... والضرب» أضاف زافين بحثاً عن ترضية، بعدما خيّب العميد هشام الأعور ظنّه: خلال عشر سنوات على رأس قسم المباحث العلميّة في الشرطة القضائيّة اللبنانيّة «لم أعاين إلا خمس جرائم مرتبطة بالمثليّة»!
بعد هذا الهذيان المضحك ـــ المبكي، انتقلنا عبر لعبة ساذجة إلى «مسرح جريمة» الذي بناه زافين في الاستوديو، ليناقش مع ضيوفه كيفيّة التحقيق في الجريمة عموماً. فجأة، عاد القاتل ـــ لا المثلي ـــ هو «الشاذ»، وكادت الأمور تستقيم من جديد... لولا أن المعادلة الفظيعة (مثليّة = مرض = شذوذ = جريمة)، تركت بصماتها حتماً على وجدان المشاهد. فيما زافين يلعب «بيت بيوت» في «مسرح الجريمة»...


«مثلي مثلك» (٢) ـــ الليلة 21:30 على «الجديد».