محمد خيرمن بين كل إجراءات التضييق على الإعلام المصري أخيراً، فإن قرار «منع الفضائيات الخاصة من البث الخارجي المباشر» يذكّر بالقصة الطريفة التالية: في منتصف التسعينيات، أثناء الصراع الدامي بين أجهزة الأمن المصرية والجماعات المتطرفة، وقع انفجار في أحد شوارع القاهرة. وبينما بثّت المحطات ووكالات الأنباء في العالم وقائع الانفجار فور حدوثه، لم ينقل «التلفزيون المصري» الحدث إلا بعد ساعتين. ذلك أنّ صفوت الشريف ـــــ الذي كان وزير الإعلام آنذاك ـــــ كان في ليبيا وتعذّر الاتصال به للموافقة على بث الحدث المفجع. وبعد عام، بثّ أحد البرامج لقطات من الانفجار ذاته على سبيل الذكرى الحزينة، فظن المواطنون أن انفجاراً جديداً قد وقع، وساد بينهم الهلع، فكان أن أمر وزير الإعلام ـــــ وكان لا يزال صفوت الشريف ـــــ بإيقاف البرنامج نهائياً.
بعد 15 عاماً على هذه القصة التي سبقت عصر ثورة الفضائيات الخاصة و«السماوات المفتوحة»، وبعدما تحكّمت شركة «نايل سات» المصرية ـــــ من خلال أقمارها الصناعية ـــــ في أكثر من 60 في المئة من السوق الفضائية في العالم العربي، وبعدما اندفعت رؤوس الأموال الخاصة لتنمية قطاع الإعلام المصري مستفيدة من الاتساع النسبي لهامش الحرية في السنوات الأخيرة، يبدو أنّ المؤسسة الرسمية للإعلام المصري مستعدّة لخسارة كل ما سبق، من أجل تحقيق ما عجزت عنه «وثيقة تنظيم البث الفضائي». وهي الوثيقة التي

لن يرى المشاهد من التظاهرات إلا ما يسمح به التلفزيون الرسمي

كان لوزير الإعلام المصري أنس الفقي «الفضل» في اقتراحها. وبعدما بذل مع نظيره السعودي كل جهد لفرضها على السوق الإعلامية العربية بلا جدوى، بدأت اليد الثقيلة تشدّد قبضتها على الإعلام المصري دون غيره، مستعينة بقاموس «ضبط» و«تنظيم» الإعلام. والضبط بالمفهوم السلطوي لا يتأتّى إلا عبر المزيد من المركزية. ولأن القانون لا يمنح القنوات الخاصة حقاً أصيلاً في البث الحي، تعتمد تلك القنوات على التصاريح التي يمنحها جهاز تنظيم الاتصالات، للشركات التي توفر خدمة البث المباشر للقنوات الفضائية. وكل ما في الأمر أن مانح التصريح قد ألغى تصريحه، ثم يجب الآن على كل شركة بث أن تقوم بعملها من خلال الاستديوهات المرتبطة بمدينة الإنتاج الإعلامي، وهذه الأخيرة جهة حكومية كما هو معروف. أما وحدات التصوير الخارجي، فستقتصر على التلفزيون الرسمي. وعلى كل قناة خاصة ترغب في استخدام وحدة تصوير خارجي أن تستأجرها من التلفزيون. وكما نرى فقد ضربوا عصفورين بحجر واحد: سيزيد التلفزيون الرسمي عوائده المالية بتأجير الوحدات ـــــ الإجباري ـ للشركات الخاصة، كهدية تضاف إلى تحكمه في البث والتصاريح.
لكن ماذا عن التظاهرات والاحتجاجات وفعاليات الحراك السياسي؟ سيرى المشاهد منها ما يسمح به التلفزيون الرسمي وحده، وقياساً إلى ما هو معروف عن «ماسبيرو» من سعة صدر، فإن الأمر لا يدعو إلى أي تفاؤل.