بيار أبي صعبهؤلاء الفرنسيون في بيروت عندهم شيء ما مع البحر. العام الماضي جاؤوا بالضيوف من البحر، وهذه السنة اختاروا البحر شعاراً لمعرض الكتاب الفرنكوفوني الذي يفتتح اليوم. «كلمات من المتوسّط» هي الراية التي يفترض أن تجتمع تحتها كل الندوات واللقاءات والنشاطات. «بحرنا» مهد الحضارات، وكابوس الوعي الشقي لأهل الشمال في هذه الأزمنة المتصدّعة، ماذا جاء يفعل هنا؟ هل هو متوسّط فرنان بروديل؟ أم متوسّط الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يمتلك رؤية خاصة للجغرافيا والتاريخ و«محاسن الاستعمار»؟
دققنا في البرنامج بحثاً عن الأدب المتوسّطي، فوقعنا على قضايا وأسئلة وأعمال وتجارب آتية من فرنسا... أو تدور – بغض النظر عن خيار المشاركين وجديّة الطرح – في فلك العالم العربي: لبنان، الجزائر، مصر، فلسطين، سوريا... ماذا يختبئ خلف المتوسّط الذي يشبه ستاراً من الدخان الملوّن؟ ندوة تكرّم المعلّم المصري محيي الدين اللبّاد (بين المشاركين فيها شريف شوباشي، إدارة جيزيل خوري)، وأخرى عن «ألف ليلة وليلة» مصدراً لوحي الكتاب اليوم (بين المشاركين روبير سوليه...)، وثالثة عن إنقاذ بيروت من المستثمرين (بين المشاركين ليدي كوكرين...)، من دون أن ننسى تحديات الترجمة، ومصر اليوم (سوليه وشوباشي أيضاً... إدارة زياد ماجد)، علم موسيقى التقاليد بين بيروت وباريس، الدستور اللبناني بعد الطائف، تدمر: تحولات مدينة قديمة، وطبعاً «فلسطين اليوم» التي سيغيب عنها ريجيس دوبريه تاركاً إلياس صنبر يتناقش مع إلياس خوري بإدارة فاروق مردم بك... أضف إلى ذلك لقاءات مع صنبر ومع مردم، مع ياسمينة خضرا، مع جورج قرم، مع ألان طاسو ونمرود، مع جومانا حدّاد وياسمين خلاط، من دون أن ننسى ألكسندر نجّار وأنطوان صفير. في الحقيقة علينا الاعتراف بأننا اهتدينا إلى «ندوة متوسطيّة» واحدة: اللغة الفرنسيّة وحوض المتوسّط!
الكلمات في الدورة الـ17 من «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت»، هي في الحقيقة كلمات عربيّة بالفرنسيّة، أو فرنسيّة بالعربيّة... ما حكاية هذا «المتوسّط» إذاً؟ هل بين المنظمين من لا يحب تسمية «العربيّة»؟ هل هذا اعتراف ضمني بأن الفرنكوفونيّة هي على الموقع النقيض (المعادي) من العربيّة؟ ترى من يخاف من هذا التلاقح: قضايا العرب والمسلمين في لغة موليير، وفكر الثورة الفرنسيّة مزروعاً في أرض الإسلام؟ هل هناك أجندة سياسيّة أو أيديولوجيّة تحاول أن تعوق هذا العناق، أو تخفف من آثاره «الضارة»؟ هل هناك قرار بحصر الفرنسيّة في وظيفة معيّنة، طبقة، طائفة، منطقة، مشروع سياسي دون سواه؟
«الفرنكوفونيّة»، في شكلها الرسمي، قد تكون كما يذكّرنا نمرود، صاحب «الشيء الفرنسي الجديد»، مشروع هيمنة استعماريّة. ليس أمام ضحايا الهيمنة في هذه المنطقة من العالم، إلا أن يحرّروا الثقافة الفرنسيّة من وصاية الفرنكوفونيّة، والهويّة العربيّة من مطبات المشروع المتوسّطي. أليست الفرنسيّة حاضنة الاختلاط الثقافي، وقيم التمرّد والحريّة، و«الأدب – العالم»؟