تشهد وسائل التواصل الاجتماعي على كل مأساة سورية جديدة. لم تعد صورة الموت السوري محصورة بمجزرة الأسلحة الكيميائية أو غيرها من المجازر التي ترتكب يومياً من قبل أطراف النزاع المسلح في سوريا، بل تعدتها إلى خارج بؤرة الصراع وجغرافيته. في هذا السياق، انتشرت خلال الأيام الأخيرة مجموعة من الصور للاجئين سوريين قضوا غرقاً في عرض البحر. وفيما تتحفظ الصحف والمواقع الإخبارية الأوروبية عن نشر صور الغرقى القاسية، تظهر لنا هذه الأخيرة، بكل وحشيتها، على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الضوابط أقل.
لذا، لم يعد صادماً أن يرى أي واحد منا منشوراً لصديق له على فايسبوك، فيه مجموعة منتظمة ومصفوفة من الأطفال السوريين القتلى.
يعتقد كثيرون أن نشر صور الغرقى أو الموتى من اللاجئين السوريين (أو غيرهم) سيثير حساسية معينة لدى المشاهد، وهي حساسية ربما أعطت نتيجة إيجابية في مكان ما. بقول آخر، ينتظر بعض الناشرين من صورتهم، التي تحتوي مخزوناً هائلاً من العنف، أن تؤدي دور الدافع، المحرك، فيستيقظ العالم من سباته، ثم يجتهد لتصبح سوريا مكاناً أفضل. مع التذكير بأنّ العنف الموجود في الصورة المختارة يتغير وفق مادتها. إن ارتبطت هذه الأخيرة بمقاتل أو عسكري، تكون على هذا القدر من العنف، لأن المنطق يقول إن المقاتلين والعسكر يسقطون في الحرب. أما إن أظهرت طفلاً مقتولاً، فيتضاعف عنفها، أو مكسبها الإعلامي. كلنا سمعنا اللازمة الإعلامية المعارضة والموالية التي تقول «وبينهم عجائز وأطفال ونساء».

تداول صور الأطفال الأموات يأتي بعكس النتيجة المرغوبة تماماً

فات هؤلاء الناشرين أنّ كثرة تداول صور الأطفال الأموات، المسحوبين من الشطآن كأسماك نافقة جراء أزمة إيكولوجية، ستأتي بعكس النتيجة المرغوبة تماماً. هنا، يمكن أن نقول إن ثمة هستيريا جماعية ونحيب أجوف على وسائل التواصل الاجتماعي. لا بل أكثر من ذلك، هناك دفع أعمى باتجاه تحويل صورة العنف والموت السوري إلى صورة عادية، نستهلكها كغيرها من الصور. ومن المؤكد أن النية الحسنة هي أحد الأسباب التي تقف خلف الدفع بهذا الاتجاه. فهذا التلوث البصري المبني ـ برأينا ـ على مزيج من اللاوعي، والنفاق والغباء، استطاع في ظرف بسيط من الزمان تحويل الموتى من اللاجئين من أناس موتى، يمتلك كل منهم مشوار حياة مختلفاً وسيرة إنسانية، إلى مجرد صور غير دائمة، إلى بوستات تختفي في كل ثانية لتحلّ مكانها أخرى، إلى أخبار تمر عقب خبر لا يوازيها أهمية أو فجاعة من طراز «ارتفاع سعر البقدونس في السوق الجزائرية».
تتبع بروكسل سياسة قاسية في ما يتعلق باللاجئين، وهذا الأمر لا يخفى أبداً. غير أنّ بعض الصحف الأوروبية تفرد للاجئين مساحة معينة كي يتكلموا عن هجرتهم ومخاطرها. ثمة رواية أو شريط سينمائي عن قصة فرار كل واحد منهم، وهناك أنسنة لحالاتهم. في كل الأحوال، يبقى التحدث إلى الناجين أفضل بكثير من نشر صور الذين لم يصادفهم الحظ في عبور البحر. ليست هناك من طريقة أنجح لتسخيف فاجعة اللاجئ السوري واختزالها أكثر من تداول موته بالصورة. الصورة عادية، نرى منها الآلاف يومياً في خيط لا ينتهي من الصور. بكبسة زر، ندخل إليها، وبكسبة أخرى نخرج منها أو نحذفها. لكثرتها، لم تعد تثير خيالنا البتة. لعلّ من الضروري التوقف عن تداول صور الموت السوري. حضورها أو عدمه لن يزيدنا صدقية ولا نفعاً. من الأفضل لنا أن ننشر صور السوريين يضحكون. الفرح في حالتهم هذه حقيقي.