صلاح حسنمن يقرأ كتاب حمدان حمدان «صدام مرّ من هناك» (دار الفرات)، سيسترجع مقولة فرويد عن «الرواية العائلية». وبما أنّ كتاب حمدان هو «تفنيدٌ لأكاذيب شهود غسان شربل في كتابه «صدام مرّ من هنا»» حسب المؤلّف، فإنّنا نسترجع هنا مفهوم الرواية العائلية بكل تجلّياته. عندما يريد شخص ما الحديث عن نفسه، يحاول ـــــ حسب فرويد ـــــ أن يطمس كل ما هو شائن في مسيرته. في المقابل، فهو يحوّل كل العثرات إلى نجاحات نسمّيها في اللغة الدارجة «العقد». كتاب حمدان لا ينجو من هذه المعضلة رغم استعانته بالتاريخ والجغرافيا والاجتماع، وحتى علم النفس.
وصف حمدان كتاب غسان شربل (الصادر عام 2009 عن «دار الريّس») بالإنشاء المدرسي يحوي مبالغة إن لم نقل استخفافاً. إنّه يرد عن كل فعل صدّامي سواء كان قبيحاً أو جميلاً، بعدد من الأمثال والتجارب. لكن ما لا يعرفه حمدان أنّ صدام لم يمر في أي مكان أكثر من مروره على كرامة شعبه، حين زجّه في حروب عبثية قضت على أربعة أجيال كان يمكنها أن تبني عراقاً حديثاً، كما يحلو له أن يتحدث في الفصل الأخير من كتابه متهماً رئيس تحرير «الحياة» بأنّه يريد محاكمة ديكتاتور العراق بالنيابة عن حكومات لا تختلف في الجوهر عن حكومة صدام.

المؤلف يردّ على كتاب غسان شربل «صدام مر من هنا» (الريّس)

شهود شربل الذين أدلوا بآرائهم هم من طينة صدام حسين، لكنهم انقلبوا عليه لاحقاً. وبالتالي، من العبث تصديق اعترافاتهم لأنّها تقع في خانة «الرواية العائلية» نفسها التي يتحدث عنها فرويد. من هنا، ينبغي أن نذكّر حمدان بأن جهوده في الرد على شربل ذهبت أدراج الريح، لأنّ الذاكرة العراقية حافلة بكل ما هو مخجل في تجربة الرجل الذي يدافع عنه، لسبب بسيط هو الهجرة المليونية العراقية في أربع جهات الأرض. يمكن تعداد ما أنجزه صدام حسين للعرب أولاً وللعراق ثانياً، لكن لا يمكن تعداد جرائمه بحق العراقيين أولاً والعرب ثانياً. أما ما يتعلق بنكتة الأمة والثورة والوحدة التي يتحدث عنها حمدان بمنتهى الشعرية، وكان صدام يطمح إلى تحقيقها، فهي بمثابة كابوس عاشه العراقيون. الصورة التي يرسمها حمدان للأب القائد، والشهيد الذي انتهت صلاحيته في عرف الزمن الحاضر، تبدو كاريكاتورية. وهو لا يختلف عن المنطق الإسلاموي الذي يدعو إلى أمة لم يبقَ منها أي شيء في واقع الأمر.