وائل عبد الفتاح نجاح أي مهرجان يقاس بأفلام تترك علاماتها في دفاتر سرية، تفتح من دون إرادة، وتصحب الحواس إلى رحلات اكتشاف ودهشة خارج الخبرات النائمة في اطمئنانها. «مهرجان أبو ظبي السينمائي» كان مشحوناً بأفلام من هذا النوع. لكنّه ظلّ حائراً بين أن يكون قبلة للشغوفين بالسينما، وأن يكون جذاباً بنجومه وضخامته وفخامته. في دفتر أبو ظبي، بهجة لا تُنسى مع فيلم «أرواح صامتة» لأليكسي فيدورتشنكو الذي تجدد فيه شغف السينما الروسية بالصورة الخالصة، فيما بدا خيال «روداج» لنضال الدبس محشوراً في كتاب أفكار محنطة ومنقولة من دون روح من كتالوغات السينما الروسية التقليدية.
«المومياء» في نسخته الملوّنة بعد الترميم، بدا مدهشاً: لقد كان شادي عبد السلام حاضراً بجنونه الناعم، وخيال بصري تحدى الرتابة والركاكة والولع بإيقاع واحد نشرته هوليوود.
أما داود عبد السيد، فبنى فيلمه «رسائل البحر» (الصورة) على فراغ صغير، لا تراه عادة بوضوح، بين شخصيّتين تعيشان في جسد كل

عن الإسكندرية القديمة ومصيرها بعد صعود «البلطجية»

بطل من أبطاله الثلاثة. يحيى الطبيب، ابن البورجوازية الخجول، صياد فقير أيضاً. ونورا الزوجة الجارية في حياة الثري الباحث عن تعدّد متع الحلال، هي فتاة ليل تبيع الهوى وتتجول بحثاً عن المشترين. وقابيل وحش الكباريهات وحارسها المخيف، هو نفسه خائف من قبضته بعدما قتل بها صديقه. كل بطل يتنقل بين عالميه صانعاً ذلك الفراغ الذي يرسم إيقاعاً رومانسياً عن علاقات مشحونة بالعواطف، ومرة يستخدم هذه العواطف في معركة مع قتلة يدمّرون الإسكندرية، أو صورتها الرومانتيكية، كما تبدو في نوستالجيا مؤرقة للفيلم كله. رسالة داود أثقلت الفيلم، وجعلته يبدو عادياً في طرح المعركة بين الإسكندرية القديمة بمعمارها الكوزموبوليتي وشاعرية الصيد بالصنارة القديمة، وبين مصير الإسكندرية بعد صعود «البلطجية» والأغنياء الجدد وصائدي السمك بالديناميت. الصراع تقليدي، والنوستالجيا في الفيلم ثقيلة، بل مملّة.
داود مرتبك في «رسائل البحر»، خذل جمهوره المغرم برسائله المحكمة، وبدا متردداً في الانفلات. يبحث عن خفة محتملة من خلال تعدّد الرواة، بما يحرّره من مركزية الراوي الواحد، ويبحث عن تعبيرات حرة أكثر للحواس، بعيداً عن رمزيتها، أو طقوسيتها، كما في أغلب أفلامه السابقة. رسالة البحر وصلت إلى داود قبل متفرّجيه. والفيلم محاولة أمام الجمهور للفكاك من رسائله القديمة.