منذ الحلقة الأولى، بدا واضحاً أن «ملكة في المنفى» اعتمد على الأكسسوارات والديكور الفخم من دون ملامسة الحياة الحقيقية لشخصية شغلت الرأي العام المصري سنوات طوالاً
ربيع فران
تعرض قناة «النيل للدراما» المسلسل التاريخي «ملكة في المنفى» مع «نجمة الجماهير» نادية الجندي المهجوسة دائماً بحكايا التاريخ، وخصوصاً قصص العائلات المالكة. وسبق لها أن قدّمت أعمالاً عن التاريخ المصري والاستخبارات، ومنها فيلم «إمرأة هزت عرش مصر» (1997) الذي جسّدت فيه دور زوجة طبيب الملك إلى جانب فاروق الفيشاوي الذي لعب دور الملك فاروق.
لكن علامات استفهام وانتقادات عدة رافقت الظهور الأخير للنجمة المصرية في رمضان. إذ اعتمدت الجندي بوضوح على الديكور والأكسسوار. هكذا بدت شخصية نازلي، زوجة الملك فؤاد الأول، في المسلسل بعيدة عن الحقائق التاريخية، وأغفلت كاتبة النص راوية راشد ومخرجه محمد رجب الكثير من الحالات التي عاشتها الملكة، فركّز العمل على تصوير الواقع الهش والحياة المترفة التي عاشتها نازلي دون تعريف الناس بقصة ملكة عاشت حالات إنسانية متعدّدة منذ طفولتها. واللافت أن مشاهد في الحلقة الأولى تظهر أن نازلي كانت متزوّجة برجل قبل الملك فؤاد. وهو ما ينفيه الكاتب الراحل محمد التابعي الذي رافق الملكة والعائلة الحاكمة في أكثر من مناسبة، وخصوصاً في رحلة الملك فاروق الأولى إلى أوروبا قبل تسلّمه مقاليد الحكم.
وربما كان يجدر بكاتبة السيناريو الاستناد إلى مذكرات محمد التابعي كي لا يأتي النص منقوصاً. ولا يمكن إغفال كمية المشاهد المعلبة التي يبدو أن الجندي نفسها أرادتها، فظهرت النجمة المصرية بملابس فخمة، وتيجان كثيرة قيل إنّها حقيقية. إلى جانب الأثاث الباهظ الثمن وحياة الترف التي عاشتها الملكة ويصوّرها العمل داخل القاهرة وخارجها.
باختصار، تحوّلت كل هذه الأكسسوارات الفخمة إلى الحدث، ومرّ المسلسل إلى جانب القصة الحقيقية للملكة نازلي التي تستحقّ أن تُروى في أكثر من عمل درامي. كما خالف المسلسل الواقع في مشاهد عدّة. مثلاً تنفي كل المراجع التاريخية والمذكّرات أنّ علاقة نازلي بطليقة الملك فؤاد الأول الملكة شويكار كانت متوتّرة كما صوّرها المسلسل. بل تذهب المصادر التاريخية أبعد من ذلك، مؤكدةً أنّ علاقة حب نشأت بين نازلي وزوج ابنة شويكار أحمد حسنين. ويقال إنّ هذا الأخير كان الحاكم الأول بعد وفاة الملك فؤاد، وأعرب الملك فاروق عن استعداده لأن يتولّى حسنين العرش. ورغم أهمية هذا الموضوع وتأثيره في حياة القصر، لمّح المسلسل إلى هذه العلاقة دون الدخول في تفاصيلها، ولا تجسيدها على الشاشة، ربما مراعاة لشهر رمضان!

كان الأجدى العودة إلى الوثائق التاريخية التي تناولت حياة الملكة

وفي مذكرات التابعي نفسها، نكتشف أنّ نازلي كانت تطلق على نفسها لقب «سجينة القصر» طيلة 17 عاماً، أي فترة زواجها من الملك. وتضيف المذكرات أنها أصيبت بمرض «تقيح اللثة»، وهو ما أغفله المسلسل، بعدما انتقلت إليها العدوى من زوجها.
هكذا أراد صناع المسلسل تفصيل معاناة امرأة شغلت المصريين وهربت نحو الحرية من دون الإضاءة على سبب هذا الهروب أو العوامل التي أدّت إلى موتها عام 1978 في الولايات المتحدة بعد اعتناقها المسيحية.
هذه الحقائق الضرورية لحياة الملكة استبعدتها الكاتبة وأعطت بعداً سطحياً لحياتها الشخصية والعائلية والسياسية. قد تكون نهاية «ملكة في المنفى» أهم من بدايته، وقد تأتي الكاتبة والمخرج بوقائع تاريخية بعد أكثر من 32 عاماً على وفاة ملكة عربية شغلت الرأي العام. فهل تنقذ الحلقات الباقية العمل ويبتعد صنّاعه عن فخامة الديكور والملابس ليغوصوا أكثر في معاناة هذه المرأة
وعذاباتها؟