في اجتماع عقده أخيراً مع مجموعة من الصحافيين، أعلن المدير التنفيذي لمحرّك البحث العالمي إريك شميت عن سلسلة خدمات تكنولوجية جديدة.... ستحاصر المتصفّح أكثر فأكثر!
صباح أيوب
«فلنفترض أنك كنت تسير في الشارع. وفقاً للمعلومات المتوافرة عنك لـ«غوغل». فهو يعرف من تكون، ما هي اهتماماتك، من هم أصدقاؤك و... أين أنت الآن. لذا، فإن كنت بحاجة لشراء الحليب مثلاً، «غوغل» يكون على علم بذلك. فهو سيذكّرك بشراء الحليب ويدلّك على أقرب محلّ لبيعه نسبة لمكان وجودك. كما سيخبرك بأن هناك محلّاً قريباً يبيع لوحات فنية تتعلق بالكتاب الذي تقرأه حالياً قبل النوم»... باختصار «سنقدم لكم خدمات تكنولوجية جديدة وستدهشون كثيراً لجهة معرفتنا بالأشياء التي لم تدركوا بأنكم تريدون معرفتها»!
هكذا «بشّر» إريك شميت المدير التنفيذي لمحرّك البحث العالمي «غوغل»، الصحافيين الذين تجمّعوا حوله منذ أسابيع في لقاء مشترك. في البداية، توقّع الحاضرون من أهل الصحافة من أن يناقشوا شميت في قضايا «سلبية» تتعلّق بتراجع مستوى «غوغل» وانخفاض سعره وبعض المشاكل القضائية المرفوعة بحقّه... لكنهم فوجئوا بحماسة المدير وتفاؤله وكشفه عن بعض الأمور الصادمة التي ستحصل في المستقبل القريب وتصبّ كلها في مصلحة «غوغل».
المستقبل، هذا ما تحدّث عنه مدير أشهر محرك بحث إلكتروني في العالم، وقد بدا واثقاً من كلامه ثقة من يتحكّم بالأيام المقبلة وتوقيتها وناسها وتحركاتهم وأهوائهم... «غوغل» هو جمهورية العالم المستقبلي ونحن مواطنوها الصالحون! ماذا حمل كلام شميت من مفاجآت وكيف يرى هذا الأخير العالم بعيني «غوغل»؟ ماذا عن التقنيات الرصدية المتقدمة التي يجهّز المحرك نفسه بها وتخرق الخصوصية خرقاً مفضوحاً؟
أكّد شميت عدم إقدام «غوغل» على أي استغلال خاطئ للصور المخزّنة لديه!
منذ بداية حديثه، نطق شميت بكلمة السرّ : «الإعلان الموجّه»، المستقبل الإلكتروني لـ«غوغل» والبشرية هو في يد الإعلانات الموجّهة. والدائرة المفرغة التي سيدور العالم فيها ستصبح كالتالي: نحن بحاجة لخدمات «غوغل» البحثية، التي ستتطور كثيراً من حيث الدقة والسرعة والتفصيل. «غوغل» يخزّن كل التفاصيل الشخصية المتعلقة بنا والمعلومات البحثية التي نقوم بها. الشركات التجارية بحاجة إلى كنز المعلومات ذلك في عمليات التسويق. «غوغل» سيتعاقد مع تلك شركات وسيرسل لنا عبره ومن خلال الهواتف المحمولة إعلانات ومعلومات تجيب بطريقة مباشرة وغير مباشرة عن حاجاتنا وأهدافنا ورغباتنا حتى الدفينة و«السرية» منها كما هي مسجّلة لديه عن كل شخص منا، فيزداد تعلّقنا به واستخدامنا له ولخدماته وهكذا دواليك...
كل ذلك، تضاف إليه قدرة «غوغل» على تحديد أماكن وجودنا أو سكننا ونبش صورنا الشخصية منذ ولادتنا حتى اللحظة. وهو الأمر الذي ما زال يثير الجدل حول الخصوصية الفردية لمستخدمي الإنترنت. وعن هذه الخصوصية، يدافع شميت مؤكداً «عدم إقدام «غوغل» على أي استغلال خاطئ للصور المخزنة لديه» من دون أن ننسى أنه صاحب المقولة الشهيرة: «إذا كنت لا تريد أو تخجل من الصور التي تنشر عنك على الإنترنت، فكان الأجدى بك ألا تقوم بأعمال مخجلة في الأصل»!
الميزة الثانية التي سيتسم بها مستقبلنا الإلكتروني المشترك مع «غوغل» كما أفصح عنها شميت إذاً هي «كشف الهويات». «الجيل الحالي سيضطر لتغيير هويته في السنوات المقبلة كي لا تلاحقه كل الصور والمعلومات التي وضعها هو أو أصدقاؤه عنه على الإنترنت»! يقول شميت بصراحة وجدية. وهو عملياً على حقّ، لأن «غوغل» بما يمتلك الآن من برامج لرصد الصور الشخصية وفق تحديد ملامح الوجوه وحفظها (مثل برنامج «بيكاسا» و Google Face Detection)، وبما يملك من كاميرات منتشرة في شوارع المدن واتصال بالأقمار الصناعية (Google Maps, Google Streets, Google Earth) هو قادر على ملاحقة أي شخص وتحديد مكانه الجغرافي وملامح وجهه ومعلومات شخصية عنه كهويته وعنوان سكنه.
«غوغل» هو إذاً، الجمهورية والـ«إيبرماركت» والاستخبارات في آن! مدير «الجمهورية» تلك، تابع المقابلة شارحاً أن «غوغل» سيبقى متخصصاً في البحث، لكن طريقة البحث ستتغير «سننتقل من فهم ماذا تطبع من كلمات لإدراك ما الذي تقصد، ومن تفسير المفردات إلى معرفة المضمون» يشرح شميت، معلّقاً: «هذا ما سيجعلنا قادة العالم لفترة طويلة من الزمن!». شميت مقتنع بأن الباحث لا يريد من «غوغل» أن يفتش له عن مراده فقط بل يريد منه أن يقول له ما الذي يجب أن يفعله في الخطوة التالية.
هكذا، بهدوء حذر وبال مطمئن وابتسامة ماكرة، أذهل مدير خزان المعلومات والصور الحاضرين بكلامه خاتماً: «لا أعتقد أن المجتمع يدرك بعد ما الذي سيحصل عندما يصبح كل شيء متوافراً ومعلوماً ويمكن تسجيله من الجميع كل الوقت... يجب عليكم التفكير جدياً في ذلك كمجتمعات»!