كوميديا بجرعات عالية... وجرأة في الطرح
هناك كالعادة مسلسلات خسرت رهاناتها. وأخرى نجحت، لحسن الحظ، في جذب الجمهور وكسب اعجابه، بفضل نجومها تارة، وحبكتها الدراميّة طوراً. جولة على أبرز الفائزين في السباق الرمضاني...

من قتل صافي سليم؟



عندما يصبح السؤال الأكثر تكراراً بين الجمهور هو «من قتل صافي سليم؟»، فإنّ ذلك دليل واضح على نجاح «أهل كايرو». مسلسل الكاتب بلال فضل والمخرج محمد علي ليس العمل الوحيد هذا العام الذي يدور حول جريمة قتل. لكن نجاحه يكمن في أسلوبه السينمائي وتصوير أحداث وقعت بالفعل ونجح بلال فضل في استغلالها من دون أن يُتهم بتقديم قصة حقيقية. كذلك، فالأداء الرفيع لكل أبطاله أولهم خالد الصاوي ساعد المسلسل في تخطّي أزمة الحلقات الأولى. وقتها، كان المشاهدون ينتظرون مقتل سيدة المجتمع صافي سليم التي ذبحت ليلة عرسها. وسرعان ما تتحوّل جريمة القتل إلى رحلة لكشف نماذج الفساد في المجتمع المصري. وبينما كان الجمهور يبحث عن القاتل، تنبّه الجميع إلى رسائل المسلسل أولاها أنّ أهل «كايرو» سيظلون يعيشون في معاناة إذا بقيت النخبة. فيما تمسّك صناع العمل بالسرية رافضين تسريب أي معلومات عن هوية القاتل. حتى أنّ أحد المشاهدين سأل خالد الصاوي «من قتل صافي سليم؟»، فما كان من الممثل المصري إلا أن أجابه... «الحاجة زهرة».



بقعة... ضوء!



أشاد نقاد كثر بمسلسلَي ليلى علوي هذا الموسم. وتوقّف الجميع عند استمرار النجمة المصرية في المغامرة التي أطلقتها العام الماضي عبر تقديم عملَين ضمن سلسلة «حكايات وبنعيشها». في النصف الأول من رمضان، أطلت علوي بقصة «كابتن عفت»، وفاجأت الجميع بتقديم شخصية أرملة تضطر للعمل في ناد رياضي شعبي. وفي النصف الثاني من شهر الصوم، تابع المشاهدون قصة «فتاة الليل» التي لعبت فيها علوي شخصية زوجة تعاني قسوة زوجها، ثم تتحول إلى «عفريتة». هذا التنوع في الشخصيتين، ومجهود مؤلفَي الحكايتين محمد رفعت وحازم الحديدي، والاستعانة بمخرجَين سينمائيَين هما سميح النقاش وهالة خليل، أعطت ليلة علوي دفعة كبيرة. غير أن كل هذه المميزات تنقصها واحدة أساسية وفّرتها علوي وصنّاع المسلسل لجمهور رمضان وهي أن العمل قد يكون الوحيد الذي أعطى لمشاهديه جرعة كبيرة من التفاؤل، بعيداً عن الجرائم والمواقف المحبطة التي امتلأت بها باقي المسلسلات. النجمة المصرية قدّمت في الحكايتين شخصية إيجابية من دون أن تقع في فخ المثالية الذي لم تنجُ منه فنانات جيلها على التلفزيون.


نجدت يضرب من جديد



في هذا الموسم، طرح نجدت أنزور بجرأة غير مسبوقة مجموعة من النماذج الحقيقية والواقعية التي تعيش في المجتمع السوري. هكذا، رصد المخرج السوري المثير للجدل في «ما ملكت أيمانكم» للكاتبة هالة دياب، حياة مجموعة من الشباب تأثروا بحركات دينية سلفية وجماعات أصولية، فاعتبروا أنفسهم قوامين على البشر.
كما تعرّض العمل لشرائح أخرى أهمها حركة «القبيسيات» (حركة دينية نسائية منتشرة في سوريا خاصة) ومدى تأثر النساء السوريات بها. فإذا بالمسلسل يطرق باب المحظور ويصدم المشاهد، من خلال تقديم نماذج لمسؤولين انتهازيين وطريقة وصولهم إلى المناصب العليا. ولم يتجاهل ما خلّفه الاحتلال الأميركي للعراق، والظروف التي أعقبت نزوح أعداد كبيرة من العراقيين دفعة واحدة إلى الأراضي السورية. ورغم تعرّض المسلسل لحملة انتقادات دينية طالبت بوقف عرضه، إلا أن هذا الهجوم جاء ليزيد من رصيده على رغم فجاجة بعض مشاهده التي قد لا تصلح للتلفزيون.


«ضيعة» الكوميديا



خلال التحضير لرمضان 2010، تردّد الليث حجو قبل أن يبدأ تصوير «ضيعة ضايعة 2». وسبب التردّد كان خوف المخرج السوري من الوقوع في التكرار أو افتعال الضحك في العمل الكوميدي الذي حقق جزؤه الأول نجاحاً مدوّياً. في هذا العام، حصد العمل نتائج إيجابية. وعلى عكس ما يحصل مع دراما الأجزاء التي تغرق في الابتذال والتطويل، عاد المسلسل الكوميدي السوري بجزء جديد من دون أن يفقد أياً من ممثليه أو فنيّيه. ما ساعد في الحفاظ على تماسك العمل الذي قدّم وجبة كوميدية خفيفة طغت عليها روح الكاتب ممدوح حمادة. ابتكر حجو ضيعة نائية تدعى «أم الطنافس الفوقا»، ينسج أبطالها حكاياتهم البسيطة، وواقعهم العفوي بالاتكاء على كاركتيرات ممتعة. وتظل ميزة العمل الرئيسية هي الأداء التمثيلي المتقن لكل أبطاله (بينهم باسم ياخور ونضال سيجري). إضافة إلى ما سبق، حملت القصص البسيطة أحياناً نقداً سياسياً واجتماعياً مثل التركيز على إهمال المناطق السياحية السورية، والطريقة التي تزرع فيها السلطات مخبريها بين أفراد الشعب. كل ذلك بحس كوميدي بسيط أداره الليث حجو بحرفية عالية وبكاميرا متوازنة.


«تخت» التابوهات



في «تخت شرقي»، تابع المشاهد وجبة درامية اجتماعية ممتعة. العمل فتح أبواباً جديدة للدراما التلفزيونية من خلال ابتعاد الكاتبة يم مشهدي والمخرجة رشا شربتجي عن تقديم مادة مكرّرة. أضاء «تخت شرقي» على مواضيع عدة لم يسبق للدراما السورية أن تناولتها مثل العلاقات الجنسية وعذرية الفتاة الشرقية وعلاقتها بجسدها، وتعدّى ذلك إلى الاتجار بالأطفال. وحاولت يم مشهدي تقديم طرح مختلف لبعض الأفكار السائدة في المجتمع السوري، وتعرّضت لبعض الموروثات الاجتماعية التي تسهّل الأحكام المسبقة على الآخرين انطلاقاً من المناطق التي أتوا منها. إذاً اعتمد «تخت شرقي» على حوارات بسيطة ويومية تعكس حقيقة الشارع السوري. ولم تخفِ هذه الحوارات تأثر صاحبة النص ببعض المسلسلات الأجنبية وبسخرية زياد الرحباني، بل أشارت صراحة إلى ذلك.
فيما تمكنت رشا شربتجي من الكشف عن إمكانيات إضافية لدى غالبية ممثليها، على رأسهم قصي خولي، ورنا شميس محاولة بكاميراتها مجاراة فوضوية النص.


Biggest Winner

الفخراني فعلها مجدداً



تراجعت أصوات الأحفاد الغاضبين وانتهت أزمة باروكة صابرين، ولم يبق من «شيخ العرب همام» سوى الأداء الرائع ليحيى الفخراني. صاحب النجاحات الدرامية الأكثر عدداً خلال السنوات الثلاثين الأخيرة فعلها مجدداً، وجعل مسلسله في مقدمة الأعمال في نسبة المشاهدة. هل تذكرون الصدى الذي حققته شخصية «حمادة عزو» قبل ثلاث سنوات؟ يومها لم يكن أحد يتوقّع أن الفخراني الذي لعب دور الرجل المتصابي، سيعود ليقدّم شخصية الشيخ الصعيدي فيقود جيشاً من الهوارة في مواجهة المماليك. لكن الفخراني لا ينفكّ يفاجئ الجميع. ورغم بعض الأخطاء التاريخية في العمل، قدّم شخصية ساحرة نراها حازمة في مجلس الكبار صباحاً، وعاشقة في المساء. وبينما يستعد لتجسيد شخصية محمد علي العام المقبل، يظل وحده قادراً على مفاجأة جمهوره، داعياً إياه للاستماع إلى أدائه سواء أجسّد شخصية مؤسس مصر الحديثة، أم زعيم الصعيد، أم حتى حمادة عزو، والمحامي النصّاب عبد البديع الأرندلي.