بيار أبي صعبالناشر الناجح يمّحي خلف الأعمال التي يصدرها، والأسماء التي يراهن عليها. فإذا به لوغو صغير أو مجرّد اسم، عنوان مكتب أو جناح في معرض. نقفز فوقه لاشعوريّاً إلى الأعمال التي أبصرت النور تحت رايته، فطبعت ذائقتنا وربّما غيّرت حياتنا. لكنّه مهما اختبأ في الكواليس، ومهما كانت الانتقادات التي توجّه إليه، بحكم دوره وسلطته وتعاطيه مع السوق، يبقى البطل الحقيقي الذي يتحكّم في مسار الفكر والابداع.
نفكّر هنا في مؤسّسين رحلوا، مثل سهيل إدريس أو بشير الداعوق، وفي كل الذين ما زالوا في المعترك يجذفون عكس التيار. الناشر، ناشر الكتاب الثقافي والإبداعي والمعرفي قبل سواه، هو الداية السريّة والمهندس الخفي. مخترع الاتجاهات في عهد الفورات الخصبة، وحارس النهضة في أزمنة الظلام. الحصن الأخير في وجه الانحطاط والأمية الخفيّة والردّات. وكل تلك الصفات تنطبق على سفيان حجّاج وشريكته ورفيقة دربه الباحثة سلمى هلاّل، مؤسسَيْ «دار برزخ» الجزائريّة التي أعلن أخيراً فوزها بالجائزة الكبرى لـ«مؤسسة برينس كلاوس» الهولنديّة.
يأتي هذا التكريم الذي حظي به سابقاً أنطون مقدسي وجواد الأسدي ومحمود درويش، ليتوّج مسيرة مدهشة انطلقت بعيد السنوات السوداء في الجزائر، باتت مؤسسة مرموقة تستقطب الكتّاب الجدد والمخضرمين في بلد محمد ديب وكاتب ياسين. خلال عشر سنوات، تحوّلت هذه الدار المستقلّة جسراً بين الجزائر والعالم، واحتضنت الأسماء الصاعدة، وكوّنت رصيداً من عشرات العناوين، في مجالات شتّى بينها الفنون البصريّة. «دار برزخ» ردّ قاطع على الخوف والانغلاق، مشروع يرفض الاستسلام للبؤس الفكري الذي تفرضه علينا هذه الأزمنة الصعبة.