تجربة سينمائيّة مستقلّة في فلسطين ٤٨عكا ــ رشا حلوة
أنهى السينمائي الفلسطيني الشاب فادي قبطي أخيراً شريطه الجديد «سماء» (24 دقيقة). ابن مدينة الناصرة ينجز هنا عملاً روائياً قصيراً مبنياً على نحو جزئي على قصة حقيقية. «سماء» هو العمل الرابع والأطول في رصيد قبطي بعد «هند» (2004)، و«اغتراب» (2007) ، و«الحديقة» (2008). وستبدأ عروضه التجارية مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وسيجول المدن الفلسطينية المختلفة، انطلاقاً من حيفا، إلى الناصرة، فعكّا، والقدس، ورام الله وبيت لحم.
سماء، فتاة فلسطينية في العشرين، تنتمي إلى «الأقلية الفلسطينية» في الأراضي المحتلة عام 1948. وُلدت سماء في قرية جليلية، ومنذ صغرها خصصت حياتها اليومية والمدرسية للرقص. وبعد إنهاء المرحلة الثانوية، قرّرت دراسة الرقص أكاديمياً واحترافه مهنةً. إلا أنها اكتشفت لدى بدئها دراستها الجامعية، واقع العدائية الثقافية والفنّية في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تجاه العرب. واقع أدَّى إلى عزوفها عن دراسة الرقص. معظم الممثلين في العمل من غير المحترفين، يؤدون هنا شخصياتهم الحقيقية، في حوار شبه مرتجل. الفيلم من بطولة سماء واكيم، ورابعة مرقس روبي، وسليم واكيم، ونرمين خوري، ومجدلة خوري. وقد تولّى التصوير رياض شماس (حيفا) فيما وضع الموسيقى إبراهيم زهر (الناصرة).
تمويل ذاتي، وممثلون هواة في أدوارهم الحقيقية
«العمل مبني جزئياً على قصة حقيقية مليئة بالتخبط بين الرغبة في تعلم الرقص واحترافه، وبين تجربة الرفض للهوية الثقافية للفلسطيني في الداخل، من الأكاديميات الإسرائيلية»، يخبرنا فادي قبطي. «هذا الرفض موجود في كثير من المجالات الأكاديمية، لكنّه يبرز في المجالات الإبداعية ويؤدي بطالب العلم إلى مفترق طرق: إما التغرّب عن ثقافته أو العزوف عن الاحتراف».
اختار المخرج حيفا لتكون المدينة الحاضنة لمعظم مواقع التصوير المركزية في الفيلم. تتنقل العدسة بين مواقع المدينة المختلفة، مسلّطة الضوء على أحيائها الفلسطينية: وادي النسناس ووادي الصليب. يبرز الشريط حيّ وادي الصليب المهجّر، مشيراً إلى الفقدان الذي ألمّ، ولا يزال، بالمجتمع الفلسطيني في الداخل، وخصوصاً لدى جيل الشباب الذي يعيش حالات من التخبط في المجالات الحياتية المختلفة، في ظلّ صعوبة تحقيق ذاته بسبب الظروف السياسية، والاجتماعية، والفنية، والاقتصادية القاسية. عوامل تجتمع كلّها في قصة سماء الإنسانة والراقصة في الشريط.
أنتجت الفيلم على نحو مستقل، وبتمويل ذاتي، مجموعة من الشباب الفلسطيني، إضافةً إلى المخرج. «عملت على أنواع عدة من الأفلام، وبعد الإفادة من تجارب السينما العالمية، وصلت إلى نتيجة مفادها أنّ الإنتاج جزء لا يتجزأ من عمليّة الإخراج»، يقول قبطي. «هناك فرق شاسع بين تعاطي الممثلين مع طاقم تصوير يتكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص، وتعاطيهم مع طاقم من ثلاثين شخصاً... كذلك، فإنّ هناك فرقاً كبيراً بين إبداع الطاقم في الفيلم المستقل، وإبداعه في شريط تتحكم بمجرياته جهات التمويل. لهذا، رسا خيارنا على التمويل المستقل لإنجاز هذا العمل، نظراً إلى نوعيته ومضمونه والجماليات المتّبعة فيه».
ويختم قبطي: «الصعوبة الأساسية التي يعانيها المخرج الفلسطيني في الداخل هي غياب صناعة سينمائية مستدامة قادرة على مخاطبة الجمهور المحلي. صناعة السينما تحتاج إلى كثير من الحرفيات الفنية، وتطويرها يحتاج إلى تراكمات في التجربة. لذلك، هنالك حاجة إلى ساحة عمل تتيح لمختلف المهنيين تطوير مهاراتهم، وتتيح للسينمائيين التواصل مع الجمهور الذي تتحدّث عنه أفلامهم».