Strong>من «الكاماسوترا العربي» إلى ترجمة القرآنعالم الأنتروبولوجيا الجزائري الذي يقيم في فرنسا ويكتب بلغتها، لا يخاف الآراء الإشكاليّة، ولا تزعجه تهمة «الاستشراق» التي وجهها إليه منتقدوه. شارك صاحب «موسوعة الحبّ في الإسلام»، أخيراً، في نشاط فكري احتضنته «مكتبة سقراط» في العاصمة الجزائريّة، فكان هذا الحوار في مشروعه الأثير دفاعاً عن «إسلام الأنوار»...

الجزائر ــ سعيد خطيبي
كلَّما تحدث مالك شبل (1953) أثار سجالاً جديداً. هو لا يتوانى عن الطعن في الكثير من المسلّمات السائدة. صاحب «العبودية في أرض الإسلام» (2007) حلّ أخيراً ضيفاً على حلقات الفكر في مكتبة «سقراط» في الجزائر العاصمة. للسنة الثانية على التوالي، نظّم هذا الفضاء تظاهرة «ألف خبر وخبر» خلال شهر الصوم. هكذا، احتضن خلال الليالي الرمضانيّة لقاءات مع مفكرين وسينمائيين ومسرحيين وموسيقيين من بينهم شبل. «بالنظر إلى حالة التشتت الحالية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية، أرى من الضروري أن تقوم بإعادة تنظيم نفسها»، لفت شبل في حديث مع «الأخبار» على هامش اللقاء. الحلّ برأيه هو «التفكير في تأسيس نظام شبيه بنظام البابوية عند المسيحيين، يجمع مختلف الآراء المتناقضة ويوحّد صوت معتنقي العقيدة المحمدية»، يقول.
اقتراح غريب قليلاً، وغير متوقّع، وأقرب إلى الخرافة العلميّة. لكن المفكر وعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي من أصل جزائري يدافع عن أطروحته هذه سبيلاً لتجاوز التنافر الحاصل بين مختلف الثقافات: «صحيح أنّنا لن نجد في الوقت الراهن شخصية واحدة كاريزماتية تحظى بالإجماع، وتستجيب لمتطلبات الجميع. لكن من الممكن جداً في مرحلة أولى، التفكير في الجمع بين ثلاثة أئمة. اثنان يمثلان السّنة والشيعة، وبينهما ثالث وسطي ومعتدل يكون على الأرجح من المملكة العربية السّعودية». يفاجئك صاحب «الجسد في الإسلام» (1984) أيضاً، حين يستبعد خيار العلمانية، إذ يرى أنّها غير واردة في دول تعيش فوضى سياسية واقتصادية. وهي برأي مالك شبل لا تصلح إلا في الدول المتقدمة (!) لعل الدافع إلى هذا الرأي الذي لا يخلو من الغرابة، هو معاينته المواقف غير المحسوبة والمتعصبة أحياناً، التي باتت تطبع العلاقة بين الغرب والإسلام في السنوات الماضية. «السبب الرئيس وراء اتساع هوة التصادم بين الغرب والإسلام، وفي سوء الفهم الحاصل بينهما، يكمن في كسل المسلمين في التعريف بأنفسهم»، يقول شبل لـ«الأخبار». «مع مطلع القرن الجديد، المتحوّل والمتسارع، تكنولوجياً وإعلامياًَ، نلاحظ أن المسلمين يقفون مكتوفي الأيدي، ولا يبذلون جهداً في التعريف بماهية عقيدتهم».
يشتغل على التعريف بالذّات المسلمة التي «باتت تتنكر لنفسها»
هذه الوضعية التي تجمع بين اللامبالاة والتقاعس عن التواصل مع الآخر، دفعته إلى إنجاز ترجمة جديدة للقرﺁن باللّغة الفرنسيّة صدرت العام الماضي. اشتغل على هذه الترجمة طوال عشر سنوات: «حاولت أن أقدِّم ترجمة مقروءة وسهلة الفهم لمختلف الفئات العمرية والمستويات العلمية». ينتقد شبل الترجمات السابقة للقرآن: «ترجمة إدوارد مونتيه متعالية وغير مفهومة. أما ترجمة أندريه شوراكي (1917 ـــ 2007) فتطغى عليها الإسرائيليات، فيما بنى جاك بيرك ترجمته على لغة شعرية». وعن ترجمته يقول: «كان بمقدوري إنجاز ترجمة أكاديمية بلغة أدبية عميقة، لكنها لن تبلغ الهدف المرجو. راهنت منذ البداية على تقديم ترجمة مفهومة، يمكن تداولها والتفاعل معها والغوص فيها». هاجس واحد لازمه خلال مراحل الترجمة: أن يفهم الغرب أنّ القرﺁن لا يحمل ـــــ كما يعتقد بعضهم اليوم ـــــ جينات العنف. ويعتقد شبل أن النصَّ القرآني يحتمل عدداً مهماً من التأويلات، ويمتلك قوة داخلية، وقادرٌ على الاستجابة لتفسيرات تتغير مع تغيّر المكان والزمان.
لا ينفي شبل موجة الانتقادات التي يتعرض لها من بعض الجهات الدينية المحافظة بسبب كتاباته الجريئة عن الجسد والجنس في الإسلام، على غرار «روح السراي» (1988) الذي يتناول فيه المثلية الجنسيّة في المجتمع المغاربي المسلم، و«موسوعة الحبّ في الإسلام» (1995) حيث لا يرى تناقضاً بين وفاء المرء للدين وتمتعه بجسده وجسد الآخر. أو «الكاماسوترا العربي ـــــ ألفا عام من الأدب الإيروتيكي في الشرق» (2006)، حيث ينفض الغبار عن عدد من النصوص الإباحية المهمة عند العرب والمسلمين. «خلال المرحلة الأولى من حياتي كباحث، خصصت جزءاً كبيراً من عملي للخوض في المسائل المحرّمة في الحياة اليومية للفرد المسلم. والهدف الذي كنت أبتغيه هو التعريف بالذّات المسلمة التي صارت تتنكر لنفسها». هذه الذات المسلمة التي «صارت لا تحب الآخر ولا تحب نفسها»، بتعبير صاحب «التحليل النفسي لألف ليلة وليلة» (1996). المفكر الذي لا يزعجه ما يتعرّض له من نقد، ومن تهم الوقوع في اللعبة «الاستشراقيّة» وقول ما يحبّ سماعه المجتمع الفرنسي، مقتنع بأنه كان سيلقى الكثير من المديح لو كان اسمه فرنسياً ! وهذه حالة تزيد من كآبة صاحب «إسلام الأنوار» كما سردها في كتابه «بيان من أجل التنوير ـــــ 27 مقترحاً لإصلاح الإسلام» (2004). الآن، يرى هذه الأطروحة بعيدة المنال، أمام نظرة الازدراء المتبادلة، وسياسة الاضطهاد الممارسة تجاه الفرد في المجتمعات الإسلاميّة، وخصوصاً تجاه المرأة.
مع هذا، يقول مالك شبل إنّه لا يزال مستمراً في المعركة التي شرع فيها منذ ثلاثة عقود لنقل صورة أوضح وأعمق عن الإسلام. وفي ختام حديثه مع «الأخبار»، كشف شبل عن مشروعه الجديد، إذ يتوجه نحو الكتابة الروائية. «أنا في صدد إتمام مخطوط، جاء بشكل سردي قصصي، أستعيد من خلاله سير ثلاثين شخصية أثّرت في الإسلام، منذ نزول الوحي حتّى اليوم».
( راجع بورتريه مالك شبل بقلم نوال العلي في «الأخبار» ـــ 6/ 1/ 2009).