حسين السكافأربعة أيام فقط هي زمن الرواية التي تتحدث عن إحدى أغرب الكوارث الطبيعية التي عرفها التاريخ. إنها قصة الأيام الأخيرة من عمر مدينة طمرتها الحمم البركانية وأهلكت سكانها في أقل من يومين. كان ذلك عام 97 ميلادياً، وظلت المدينة طي النسيان حتى القرن الثامن عشر عندما اكتشفت آثارها وعثر على سكانها الذين تحوّلوا إلى جثث متحجرة أشبه بتماثيل اسمنتية بفعل الغبار البركاني.
لكن، كيف لروائي مثل روبيرت هاريس الذي عرف عنه اهتمامه الكبير بأدق التفاصيل، أن يكتب رواية مدينة مطمورة لم يخرج منها أحد؟ إنه البحث المضني إذاً، وهذا ما يجده القارئ بالفعل في روايته «بومبي» الصادرة حديثاً بنسختها العربية عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر». الرواية التي صدرت بنسختها الإنكليزية عام 2003 تتحدث عن بومبي Pompeii الإيطالية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط التي كانت عامرة فترة حكم الإمبراطور نيرون والسنوات القليلة التي تلت موته.
الرواية التي اعتمد مؤلفها على العديد من الكتب العلمية بالبراكين، تبدأ بمشهد رتيب شبه صامت يصوّر مجموعة من العمّال وهم يسيرون قبل بزوغ الفجر لاستكشاف بئر ماء جديدة، تحت رئاسة المهندس أو الساقي الشاب أتيليوس بطل الرواية والمسؤول الجديد عن شبكات الري. لكنها سرعان ما تتجه إلى حدث درامي مروّع، حين نرى أمبلياتوس ـــــ الذي ولد عبداً، ثم صار حراً وأغنى أغنياء المدينة المتنفذين ـــــ وقد قرر إعدام أحد عبيده برميه طعاماً لأسماك الأنقليس المتوحشة. طريقة عقاب ورثها عن سيده السابق الأرستقراطي فيديوس بوليو الذي كان يرمي بالخدم في بحيرته عقاباً لهم على كسرهم الصحون. من خلال المشهد المروع هذا، تبدأ قصة حب بين المهندس الشاب وكوريليا ابنة أمبلياتوس التي استنجدت بالمهندس لينقذ العبد من الموت.
كل الشواهد والظواهر التي جاءت بها الرواية، كانت تنذر بوقوع كارثة عظيمة، إلا أنّ شخوصها كانوا منشغلين بقلقهم من انقطاع مياه الشرب واختفاء الساقي السابق الذي نكتشف لاحقاً أنه مات بفعل الغازات السامة المنبعثة من شقوق الجبل الذي كان يعدّ نفسه للانفجار.
تصوّر لنا الرواية حالة الإنسان الأوروبي القديم الغارق في إيمانه بالغيبيات والمنقاد وراء أساطير الآلهة. لكل ظاهرة إله، وللبراكين إلهها الخاص الذي راحوا يقدّمون له الأضاحي. لكن، ماذا قالت العرافة بعدما لجأ إليها كبار رجال المنطقة؟ أخبرتهم بأن «مدينة بومبي ستحظى بشهرة عالمية كبيرة تبقى عالقة في أذهان الناس مئات السنين». نبوءة العرافة قد تحققت بالفعل، فمدينة بومبي ظلت عالقة في أذهان الناس وكتب التاريخ حتى يومنا هذا، لكن ليس بمجدها بل بخرابها.
ربما، لو قُدر للمخرج رومان بولانسكي أن ينجز فيلمه المأخوذ عن هذه الرواية كما كان ينوي في السابق، لكنّا رأينا أضخم إنتاج سينمائي يشهده العقد الأول من الألفية الثالثة كما أعلن عنه في حينها. لكن توقّف المشروع حرمنا هذه المتعة التي قدمها لاحقاً بولانسكي في «الكاتب الشبح» المقتبس عن رواية هاريس «الشبح»، علما بأنّ الشريط فاز هذا العام بجائزة «الدب الفضي» لأفضل مخرج خلال «مهرجان برلين السينمائي».