يخوض الروائي والناقد السوري في كتابه الجديد مغامرة تشريحيّة للمنجز الروائي العربي خلال السنوات الماضية. في «الرواية العربية والمجتمع المدني» (الدار العربية للعلوم ناشرون) يقرأ أكثر من 80 رواية على ضوء أحداث 11 أيلول، والاستبداد السلطوي العربي، وهواجس حقوق الإنسان
خليل صويلح
سؤال الإرهاب ومطحنة الديكتاتورية، وبينهما حقوق الإنسان والمجتمع المدني... هذه الأقانيم الثلاثة هي محور الخريطة التي رسمها نبيل سليمان في كتابه «الرواية العربية والمجتمع المدني» (الدار العربية للعلوم ناشرون) لالتقاط مسارات المدوّنة الروائية العربية (80 رواية)، في اختبار «العروة الوثقى» بين الرواية والديموقراطية، وفقاً لما يقوله فيصل درّاج. الإرهاب بتعريفاته المتعددة، اقتحم الفضاء الروائي العربي بعنف إثر أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فكانت الرواية الجزائرية خصوصاً، هي الأكثر اشتباكاً مع معنى «البربرية الجديدة». هكذا جاءت روايات واسيني الأعرج «المخطوطة الشرقية»، وأمين الزاوي «رائحة الأنثى»، وبشير المفتي «المراسيم والجنائز»، وشهرزاد زاغز «بيت من جماجم» تعبيراً ساخطاً عمّا شهدته الجزائر من فداحة الإرهاب المتبادل بين الأصوليين والسلطة.
صورة الديكتاتور العربي تضاهي مثيلتها في أدب أميركا اللاتينية
لكنّ خريطة الإرهاب ستمتد إلى نصوص عربية أخرى بتمثلات سردية متفاوتة، تبعاً لسخونة الدم في هذه الخريطة أو تلك. في هذا السياق سنتتبع أسئلة الأصولية والحرب الأهلية والاغتيال السياسي وإرهاب الدولة. في «وقائع المدينة الغريبة» للتونسي عبد الجبار العش، يحرق المتطرفون كتب فرج فودة، وحسين مروة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتروي السورية حسيبة عبد الرحمن في «الشرنقة» تجربتها في المعتقل السياسي، وترصد أهداف سويف في «خارطة الحب» إرهاب الأمس وإرهاب اليوم، وهذا ما نجده لدى إدوار الخراط في «يقين العطش» في مقارنة موحية بين «مافيا الآثار ومافيا الإسلام»، وتالياً خطف التاريخ، فيما يوسّع جميل عطية إبراهيم الدائرة في «نخلة على الحافة» لتشمل «الإرهاب الأميركي، والإرهاب الإسرائيلي، وإرهاب العولمة».
في «الديكتاتورية روائياً»، يقتفي الروائي والناقد السوري نصوصاً يعدّها علامات كبرى في تأريخ صورة الديكتاتور العربي. هذه الصورة التي تبلورت ملامحها في ثمانينيات القرن العشرين بكيمياء جديدة تخلط الثيوقراطية والشمولية والأوليغارشية والاستبداد في وعاءٍ واحد، وإذا بصورة الديكتاتور العربي تضاهي مثيلتها في روايات أميركا اللاتينية. هكذا دشنّ حيدر حيدر في «وليمة لأعشاب البحر» الوشم الأول للديكتاتور الثوري، وتلاه مؤنس الرزاز في «متاهة الأعراب في ناطحات السراب»، وعبد الرحمن منيف في «مدن الملح»، وستأخذ الصورة شكلاً أكثر قسوة ورعباً في «الأسلاف» لفاضل العزاوي، و«آخر الرعية» لأبي بكر العيادي، و«فتنة الرؤوس والنسوة» لبنسالم حميش.
يسمي صاحب «مدارات الشرق» هذه الموجة بـ«العلامات الكبرى»، إذ اشتغل الروائيون على لعبة وهم الأسماء والألقاب في مقاربة الأسماء الحقيقية، فتبرز صورة صدام حسين في المقدمة، إلى أسماء ملوك وزعماء لا يحتاج القارئ اللبيب إلى كثير تأمل في اكتشاف صورتها الأصلية المؤسلبة.
سؤال حقوق الإنسان وحرية التعبير لا يقل وطأة في حضوره الروائي عن أسئلة أخرى. فقد دأبت المدونة السردية على «هتك وتفكيك وتصوير كل ما يحرم الإنسان من حقوقه الطبيعية». في «الحب في المنفى» لبهاء طاهر، يحاصر الرقيب الرسمي المقالات التي يرسلها مراسل صحافي من مدينة أوروبية، ويصف أبو بكر العيادي في «آخر الرعية» الرقيب أو الباش كاتب بلسانه «أحصيت الكلم المحظور والقصاص المنذور، ليتجنب الخلصاء مواطن الخلل ومكامن الزلل، ويحذر المارقون من مقاتل الإثم ومرّ العواقب». ويقوم الإسلاميون في «يصحو الحرير» لأمين الزاوي «بإلباس تماثيل الحدائق العامة جلاليب وفساتين ستراً لعريها». ويشكو الراوي في «مصرع أحلام مريم الوديعة»، لواسيني الأعرج، من تغلغل الشرطي في عقله ليراقب ما يكتب، فيمزّق أشعاره.
ويعرّج نبيل سليمان إلى متن سردي آخر في الرواية العربية هو «حرية الاعتقاد»، ويرى أن حرية الاعتقاد الديني كما تجلّت روائياً «متلبّسة بالطائفية والمذهبية» لغياب الديموقراطية والتعددية، وهذا ما يتبدّى في مدوّنة «حقوق المرأة»، و«حرية الإقامة والتنقل»، وتالياً اقتحام نص المنفى السياسي والتهجير القسري، أو الإقامة الجبرية، وتعقيدات الهوية الإثنية ووعي الذات. في هذا المقام تحضر روايات سليم بركات في مناوشتها للهوية الكردية، وروايات الكتاب المغاربة من أصول أمازيغية.