ما حصل مع عبد الرحمن الراشد يدلّ على مرحلة جديدة يدخلها الإعلام السعودي. بعد عقد تقريباً على اعتداءات 11 أيلول واحتواء تداعياتها، حان الوقت لـ«ترشيد» نقد السلفية وكفّ اليد عن... «الوهابية»
الرياض ــ بدر الإبراهيم
خبر مفاجئ فعلاً. المدير العام لـ«العربية» عبد الرحمن الراشد يقدّم استقالته من المحطة التي أدارها منذ 2003، ساعياً إلى تقديم وجهة نظر «معتدلة» لأحداث المنطقة ضد «تطرف» الجزيرة. ورئيس مجلس إدارة «مجموعة MBC» السعودية الشيخ وليد بن ابراهيم آل ابراهيم يرفض الاستقالة، فيرجئها الراشد «مرحلياً».
يبدو أنّ الراشد ارتكب خطأً قاتلاً، لم يُعلن عنه رسمياً، لكن الأحاديث تدور حول برنامج «الإسلام والغرب» الذي كان يعرض في رمضان. في الحلقة الـ23، كان هناك نقدٌ عنيف للوهابية، فأدينت بتهمة تفريخ الإرهاب وتشويه صورة الإسلام في الغرب. ما أغضب مسؤولين حكوميين في الرياض، فجاء تقديم الاستقالة.
سبب الاستقالة المفترض لا يبدو مستغرباً، وخصوصاً مع تكراره مع آخرين في مناصب إعلامية مختلفة في السعودية. جمال خاشقجي قدم استقالته مراراً من رئاسة تحرير جريدة «الوطن» بسبب مقالات انتقدت ابن تيمية والدعوة الوهابية. ما يشير إلى دخول الإعلام السعودي مرحلة جديدة من «ترشيد» نقد السلفية واعتبار مصطلح «الوهابية» خطاً أحمر لا يجوز التعرض له. ما يعني أنّ مرحلة النقد الشديد للتيار السلفي بعد اعتداءات أيلول (سبتمبر) 2001 انتهت بعد احتواء التداعيات وامتصاص الصدمة.
أثار استياء السلفيين بعدما قدّم جرعات مكثفة من النقد للتيارات الإسلامية
ويؤكد هذا الغضب ضرورة الفصل في الإعلام بين التطرف الديني والإرهاب السلفي الذي تطلق عليه تسميات رسمية مثل «الفئة الضالة» من جهة، والوهابية بما هي شريك أساسي في تكوين النظام يجب نفي عنفيتها وعلاقتها بالإرهاب من جهة أخرى. ما يعني إعادة الاعتبار إلى الوهابية وإعادة إنتاج المصطلحات الإعلامية بما يحفظ حرمة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كأيديولوجيا مُؤَسِّسَة، ويجعل نقدها مرفوضاً في وسائل الإعلام السعودية. هذا سيؤدي حكماً إلى مراجعة سيجريها المسؤولون في الإعلام لضمان بقاء نقد السلفية في الدائرة المباحة.
الراشد الذي يصنَّف ليبرالياً يثير سخط السلفيين. وفي «العربية»، قدّم جرعات مكثفة من النقد للتيارات الإسلامية عموماً، فاعتبرها السلفيون منبراً معادياً كما هي حال صحيفة «الشرق الأوسط» التي رأس الراشد تحريرها خمس سنوات ويكتب فيها عموداً يومياً توقف فجأة من دون أسباب واضحة.
توجه القناة لنقد السلفيين الجهاديين والتيارات الإسلامية جاء ضمن سياسة «العربية» وأفكارها التي يعتنقها الراشد. ما جعله «يُبدع» في إخراجها للمشاهد، فالقناة تنحاز للسياسات الأميركية في المنطقة كما بدا واضحاً منذ أول ظهور لها عشية حرب العراق، وتقدم دعاية ضخمة للأنظمة العربية بوجه المعارضين. وتدعم حلفاء هذه الأنظمة في فلسطين ولبنان إلى درجة التحول إلى قناة حزبية ناطقة باسم جماعة دحلان خلال اشتباكات غزة وفي الحرب الإسرائيلية عليها، وباسم جماعة «المستقبل» في حرب تموز وما تلاها، إضافةً إلى حربها على أعداء أميركا من الممانعين وحملتها المستمرة على النظام الإيراني.
المتتبع لبرامج القناة يكتشف بسهولة افتقارها إلى المهنية والموضوعية. وهو أمر غير مستغرب بالنظر إلى أهدافها الدعائية. في المحصلة، لم يكن غياب الموضوعية والمهنية خطأً بل خطة. لكن نقد الوهابية كان الخطأ الاصطلاحي القاتل الذي كان ليكلف الراشد منصبه. صحيح أنّّه تم السيطرة على الوضع بالتفاهم بين إدارة القناة والمسؤولين الغاضبين على اعتبار الخطأ غير مقصود... لكنّ الرسالة وصلت: من الآن وصاعداً، على الجميع الالتزام بالخطوط الحمر!