Strong>صباح أيوبفي صباح 11 أيلول (سبتمبر) 2010، اختارت جريدة «بورتلاند برس هيرالد» الأميركية تخصيص غلافها لعيد الفطر تزامناً مع احتفال المسلمين في العالم بهذه المناسبة الدينية. نشرت الصحيفة مقالة وصفية بعنوان «عرض من الإيمان والتسامح» تناولت مشهد احتفال المسلمين من جنسيات مختلفة بعيدهم في مدينة بورتلاند (ولاية ماين). في صباح اليوم التالي، اعتذرت الصحيفة من قرّائها عمّا فعلته في عددها السابق، معترفةً بأنها ارتكبت «خطأً» بتخصيصها الغلاف لموضوع عن المسلمين.
رئيس تحرير الجريدة ريتشارد كونور كتب في الصحيفة رسالة موقّعة باسمه يعتذر فيها ممّن شعروا بالإهانة بسبب الغلاف الذي تزامن مع إحياء الذكرى التاسعة لهجمات 11 أيلول. كونور قال في رسالته: «رأينا في الجريدة أن اليوم الذي يلي إحياء ذكرى 11 أيلول 2010 هو الأفضل للاهتمام بالحدث، كي نقدّم تغطية شاملة داخلياً وخارجياً (...) لكن من الواضح أنه كان يجب أن نتعامل مع الموضوع تعاملاً مختلفاً وبحساسية أكبر...». رئيس التحرير أوضح أنه بعد لحظات من نشر المقالة ـــــ الغلاف عن عيد الفطر ـــــ انهالت التعليقات السلبية على موقع الصحيفة الإلكتروني، وعلى صفحتي الجريدة على موقعي «فايسبوك»، و«تويتر». وقد استنكر عدد كبير من القرّاء الأميركيين الأمر، وشعروا بالإهانة والإساءة إلى أهالي الضحايا الذين سقطوا في الهجمات. وفي إحدى الرسائل الإلكترونية التي وجّهها مباشرةً بعد ورود التعليقات على موقع الجريدة، شرح كونور أنه لم يكن حاضراً في اجتماعَي التحرير اللذين تقرر خلالهما موضوع الغلاف. لكنه أكّد تحمّله مسؤولية ذلك القرار. يُذكر أنه في ذلك اليوم، احتشد الصحافيون والمسؤولون في الصحيفة منذ الصباح الباكر للردّ على اعتراضات القراء، واعدين بتغطية كبيرة وشاملة لإحياء ذكرى الهجمات في عدد اليوم التالي.
هكذا، رضخت إحدى الصحف الأميركية للهستيريا التي يعيشها الأميركيون أخيراً، والتي تكاد تكون أشدّ حدّة مما كانت عليه بُعيد أحداث 11 أيلول 2001. هكذا قررت إحدى الصحف التي تصدر في إحدى أكثر الولايات تعددية (من ناحية العرق والدين) أن تعتذر عن مقالة صحافية خالية من أيّ خطأ مهني!
«خطيئة» «بورتلاند برس هيرالد» ارتُكبت في جوّ محموم دينياً في إحدى أكبر ديموقراطيات العالم، من قضية بناء مسجد في محيط موقع حصول هجمات 2001 في نيويورك، وصولاً إلى حملة إحراق المصاحف التي قادتها إحدى الكنائس الإنجيلية. وقد أعادت هذه الأحداث إلى الواجهة ظاهرة الـ«إسلاموفوبيا» التي عمّت الولايات المتحدة في السنوات التسع الماضية وظنّ العالم أنّها خفتت بعد انتهاء ولاية إدارة جورج والكر بوش السابقة.
الإعلام الأميركي المحافظ بقيادة «فوكس نيوز» استعاد دوره الجامح في تأجيج الانقسامات والتجييش الطائفي والعنصري، فهيمنت لغة التخويف من الآخر والعداء ضد المسلمين ومعاداة المجتمعات المختلفة مجدداً. علماً أنّ محطة «فوكس نيوز» ـــــ وهي الأكثر مشاهدةً في الولايات المتحدة ـــــ دأبت على إثارة النعرات الطائفية والعنصرية منذ اليوم الأول لتسلّم إدارة باراك أوباما مقاليد الحكم. واللافت أن«فوكس نيوز» المملوكة من روبرت موردوخ تقود إعلامياً الحملة الرافضة لبناء المسجد في نيويورك. وقد غفلت أو تغافلت عن حقيقة أن مموّل ذلك المشروع هو أحد أكبر المساهمين في المحطة نفسها، أي الأمير السعودي الوليد بن طلال.