بالأمس فاتح المدرّس واليوم صاحب «الياطر» القدس ــ نجوان درويش
لم نكن نعرف أنّ الجولان المحتل كان من دون مكتبة عامة حتى اليوم. وإن كانت المبادرة التي أعلنت عنها مجموعة من شباب الجولان لتأسيس مكتبة عامة على اسم الروائي العربي السوري حنّا مينة تثلج الصدر، إلا أنها في المقابل تستدعي شجوناً كثيرة بشأن الجولان: هضبة العرب المحتلة. وأول هذه الشجون أنّ حنّا مينة نفسه (1924) من نازحي لواء الإسكندرون (الذي ما زال سليباً) في عام 1939. وها هي الجولان تُحَيّيه في زمن عربي سليب كلّه، سوى بروق مقاومة هنا وهناك. هي تحية عفوية خالصة لصاحب «نهاية رجل شجاع» من شبّان وصبايا لا يتعدى أكبرهم ثلاثة وعشرين عاماً.
نقرأ بعض سطورهم في وصف إنشاء المكتبة: «نظراً إلى غياب الجهات المسؤولة عن إقامة مشاريع ثقافية عموماً ومكاتب ثقافية خصوصاً، أخذنا نحن مجموعة من شباب الجولان المبادرة لإنشاء مكتبة ثقافية تلبي ولو بنحو بسيط حاجات مجتمعنا الثقافية، وذلك وفق إمكانياتنا المحدودة. وقد أطلقنا على مشروعنا هذا اسم الأديب العربي حنّا مينة، حيث وجدنا أن من الضروري تكريم أدبائنا العرب في حياتهم لا الانتظار حتى مماتهم. هذه المجموعة تسعى جاهدة إلى إتمام هذا المشروع المهم بشتى الوسائل والقنوات التي تتلاءم مع وضعنا نحن كسكّان منطقة محتلة».
الشباب جمعوا حتى الآن ثلاثة آلاف كتاب: «نحن الآن بصدد جمع أكبر عدد من الكتب الثقافية، وذلك من خلال جمع التبرعات العامة من أهل الجولان وأصدقائهم من فلسطين، منها التبرعات المادية ومنها التبرعات بالكتب الثقافية. من هذا المنطلق، نتوجه إلى كل صاحب هم ثقافي، وطني واجتماعي، بالمساهمة الممكنة لدعم هذا المشروع الثقافي الحضاري، شاكرين لكم تعاونكم». ولكن لِمَ الاقتصار على الأرض المحتلة؟ لم لا يشارك الناشرون العرب مثلاً في دعم هذه المكتبة بإرسال بعض منشوراتهم؟
يبدو أن الشباب في مكتبة حنّا مينة يسيرون على خطا «مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة» www.mudarris.com. فالأخير لم يكتف بتكريم فنان عربي بمستوى فاتح المدرس، ككثير من المراكز في بلداننا المختصة بتحنيط أسماء الأعلام، بل أخرج من قلبه جيلاً من الفنانين الشباب واستطاع خلق حراك ثقافي طليعي ولافت في مجتمع الجولان التقليدي، وتعدّاه ليصلنا في كلّ فلسطين المحتلة: حيفا، والقدس، ورام الله...
ولعل العدد الكبير نسبياً من الفنانين الشباب (قياساً إلى عدد سكان الجولان اليوم البالغ عشرين ألفاً) يبعث على الإعجاب والعجب أيضاً. ونزعم أن جواب هذا اللغز يكمن في «مركز فاتح المدرس»، وتحديداً في وائل طربيه أحد مؤسّسيه والأب الروحي لهذا الجيل من الفنانين الشباب. وائل طربيه الفنان الذي اختار أن يصبّ طاقته في تأسيس جيل من الفنانين، ربما على حساب فنّه، لا يتردد في نقد ما يسميه بسخريته الأصيلة الأخاذة «الأساطير المؤسسة للمركزية الجولانية»، محلّلاً تصوّرات الجولانيين عن أنفسهم، لكن تلك قصة أخرى.
ومن المفارقات أن الاحتلال الصهيوني الذي يعزلنا نحن الفلسطينيين عن العالم العربي، قد وحّدنا مع أهل الجولان السوريين، ليس فقط من خلال إمكان وصولهم إلينا ووصول بعضنا إليهم في الجولان، ولكن ضمن الثقافة الوطنية المقاومة في بلاد الشام. منذ سنوات وشباب الجولان وصباياه جزء من الحراك الثقافي الفلسطيني، ولا سيما في حقل الفنون البصرية، حيث ينشط عشرات الجولانيين دون الثلاثين ممن يمكن مشاهدة أعمالهم على صفحة «مركز فاتح المدرس».
لا نظن أن إرسال التحيّات بكاف لدعم «مكتبة حنّا مينة» وهذه الطليعة الفتيّة من أبناء الجولان. وعليه، فإن إرسال بعض كتبنا إلى الجولان هو من «أضعف الإيمان» نحو هضبة الجولان السليبة!
بريد مكتبة حنا مينة في الجولان:
[email protected]