بعد أسبوعين على توقّفه، ما زال مصير برنامج «القاهرة اليوم» معلّقاً، والأزمة مستمرة بين مدينة الإنتاج وشبكة «أوربت». هل الخلفيات مادية أم سياسية؟ سؤال يطرح نفسه، وخصوصاً أنّ الأمر يتعلّق بعمرو أديب الذي يُعتبر ــ رغم كل شيء ــ أحد أجرأ الإعلاميين المصريين
محمد عبد الرحمن
رغم نفي مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة وجود أي خلفيات سياسية للأزمة المستمرة مع شبكة قنوات «أوربت»، إلا أنّ من يتابع الملف لا يمكنه أن يصدق ذلك بسهولة. إدارة «أوربت» أكدت حرصها على حل الأزمة، وأنها لم تعلن إفلاسها حتى يحق للمدينة رفض أي حلول تسهم في عودة البرنامج الشهير «القاهرة اليوم» وباقي برامج المحطة.
وقد تردّدت أخيراً أنباء تؤكّد تدخّل عماد الدين أديب شخصياً، وطلبه من وزير الإعلام المصري أنس الفقي حل الأزمة، كي لا تبقى علامات الاستفهام مرسومة حول الملف. وكان توقّف برنامج «القاهرة والناس» وغياب عمرو أديب عن الشاشة أثارا استغراب الشارع المصري الذي اعتاد متابعة الإعلامي المصري بانتظام. ولم يألف المصريون غياب أديب، خصوصاً في ظلّ التطورات التي تشهدها شوارع القاهرة حالياً. والمعروف أن أديب كان دائماً سباقاً في تناول أبرز المواضيع التي تهمّ المصريين. وأدّى نجاح «القاهرة اليوم» إلى بروز مجموعة برامج «توك شو» استنسخت عن البرنامج الشهير.
وكان طرفا النزاع أكّدا في الساعات الأولى من الأزمة أن الأنوار ستعود قريباً إلى بلاتوهات القناة. إلا أنّ قرار فسخ العقد بين المدينة و«أوربت» بسبب شيكات بلا رصيد، جاء ليؤكّد أن المشكلة ستتطور. مع ذلك، يتفاءل بعضهم مستذكرين ما حصل العام الماضي، حين تدخّل الرئيس حسني مبارك شخصياً لحلّ أزمة مماثلة بين الطرفَين.
اليوم، تبدو الأمور أكثر تعقيداً. المدينة تشترط التعاقد مع الشبكة السعودية وفق مجموعة شروط جديدة، أبرزها الحصول على 25 في المئة من حقوقها مقدماً.
وإذا استمرّت الخلافات، فإن عمرو أديب وبرنامجه سيغيبان عن متابعة الأحداث في مصر لفترة طويلة، وهو ما يطرح علامات استفهام جديدة: من هو التالي؟ ومن سيتمكّن من ملء الفراغ الذي سيخلّفه أديب؟
الجواب ليس سهلاً. عمرو أديب الذي غالباً ما يتعرّض لانتقادات بسبب طريقة تناوله بعض قضايا الشأن المحلي، يبقى من أجرأ الإعلاميين المصريين. وقد لا يجرؤ أي إعلامي آخر على أن يطلّ على إحدى القنوات المصرية ويقوم بدور أديب ويتناول المواضيع التي يتناولها، رغم أنّ وسائل الإعلام لم تصل بعد إلى مرحلة تجعلها مؤثّرة في نتيجة انتخابات تشريعية أو رئاسية. وهو ما قاله المخرج وحيد حامد مثلاً، رداً على من اعتبر أنّ مسلسل «الجماعة» يهدف إلى التأثير على موقف «الإخوان المسلمين» في الانتخابات البرلمانية. إلا أنّ الكل يدرك أيضاً أن برامج الـ«توك شو» أصبحت مصدر إزعاج للمسؤولين الذين يتهمون هذه البرامج بالبحث عن السلبيات.
وإذا كان النظام ينشد الهدوء على جبهة الإعلام في المرحلة المقبلة، فالأمر يحتاج أولاً للسيطرة على البرامج والقنوات الموجودة والتعامل بجدية مع القنوات الجديدة. والمعروف أن محطات جديدة ستظهر قريباً أبرزها «البيت بيتك» التي قد تبدأ بثها في الفترة المقبلة. وقيل أيضاً إنّ هذه المحطة التي يملكها المنتج محمود بركة، ستكون من تمويل السياسي ورجل الأعمال المصري البارز أحمد عز. ثم انطلقت شائعة أخرى نفاها أسامة الشيخ، وفحواها أنّ هذا الأخير تعاقد مع القناة الجديدة بمبلغ يتجاوز 700 ألف دولار سنوياً، وسيترك التلفزيون المصري قريباً.
لكن خروج الشائعة بحدّ ذاته يؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد عدداً كبيراً من الأخبار غير المؤكدة في ظل الفوضى التي يشهدها السوق الإعلامي المصري.

تبتعد «الحياة» عن تقديم أي مضمون سياسي مباشر رغم أنها مملوكة لرئيس حزب «الوفد»
كذلك، أطلق رجل الأعمال والبرلماني محمد أبو العنين تصريحات جديدة يؤكد فيها أن قناة «البلد» في طريقها للظهور، وهي المحطة التي بدأ الحديث عنها قبل عامين من دون أن ترى النور.
في الوقت نفسه، بدا واضحاً أن مالك قنوات «دريم» أحمد بهجت لن يخاطر بالدخول في أي معارك سياسية في المرحلة الحالية، وخصوصاً مع الانتخابات الرئاسية التي تلوح في الأفق. وكان عدم بثّ الحلقة الثانية من برنامج حمدي قنديل، وهجوم بهجت نفسه على ظهور مرشد الإخوان في برنامج «العاشرة مساءً» خير دليل على نيته الابتعاد عن أي استفزاز سياسي للسلطة. ولم يكتف بهجت بذلك، بل هاجم أبرز إعلامية في «دريم» أي منى الشاذلي، في مقابلة أجراها ضمن برنامج «تسعين دقيقة» على قناة «المحور» التابعة للحزب الوطني الحاكم.
وطبعاً لا يمكن إغفال أن شبكة قنوات «الحياة» أيضاً لا تقدم أي مضمون سياسي مباشر رغم أنها مملوكة لرئيس حزب «الوفد» السيد البدوي. وبالتالي، فإن المشاهد المصري على موعد مع حسابات جديدة لكل القنوات القائمة بالفعل، وحزمة من القنوات الجديدة التي سيكون هدفها سياسياً حتى لو كان مضمونها ترفيهياً.


ماسبيرو يستعيد عافيته

صحيح أن التلفزيون المصري لم يستعد عافيته الكاملة بعد، إلا أنّ إدارته أدركت أهمية استقطاب الإعلاميين الذين يتمتعون بمصداقية، وفي الوقت نفسه لا يعارضون النظام. وهو ما يتأكد مع الأخبار التي خرجت أخيراً عن لقاءات عقدها وزير الإعلام أنس الفقي مع كل من محمود سعد (الصورة)، ولميس الحديدي، وعمرو الليثي للاتفاق معهم على حزمة برامج جديدة تضمن استمرار عودة الجمهور للتلفزيون الرسمي. علماً بأن سعد والحديدي على سبيل المثال يتعرضان لهجوم دائم من بعض الصحف الحكومية، لكن ذلك لم يؤثر على مكانتهما على الشاشة الرسمية.